من دفتر الوطن

الخدعة تستمر

| حسن م. يوسف

«إذا خدعتني مرة فعار عليك وإذا خدعتني مرتين فعار علي!»

يعلم مَن تابعوا مسلسلي «سقف العالم» الذي عرض لأول مرة في شهر رمضان الكريم عام 2007 أنني قد برهنت بوثائق لا مجال لدحضها أن الرسوم الكاريكاتورية التي نشرتها جريدة «ييلاندس بوستن» الدانمركية كانت جزءاً من عملية استخباراتية نفذها يهودي أوكراني يدعى فيلمينغ روز لمصلحة مخابرات العدو الصهيوني (الموساد) وما على من يريد التأكد من ذلك إلا مراجعة كتاب «عن طريق الخداع» لضابط الموساد المنشق فيكتور أوستروفسكي، الصادر عام 1990، والاطلاع على الدراسة الموثقة التي نشرها البروفسور جيمس بتراس أستاذ علم الاجتماع في جامعة بنجهامبتون بـنيويورك، بالتعاون مع زميله روبن ايستمان. أشار الباحثان إلى أن الموساد قد جاء باليهودي الأوكراني فيلمينغ روز إلى كوبنهاغن وعيَّنه رئيساً للقسم الثقافي في جريدة ييلاندس بوستن، وأهم جزئية ينبغي الانتباه لها هي أن فناني الكاريكاتير الدانمركيين لم يبادروا بتنفيذ الرسوم من تلقاء أنفسهم، بل رسموها بتكليف (!) من عميل الموساد فيلمينغ روز. ويقول الباحثان في دراستهما الموسعة ما يلي بالحرف: «كانت مهمة فيلمينغ روز هي تأجيج نار الكراهية المتنامية لدى المحافظين الدانماركيين ضد المهاجرين العرب والمسلمين، والتمهيد لفتح صراع الحضارات بين الغرب والشرق». وقد أثبتُّ من خلال الوثائق أن الهدف المضمر لتلك العملية الاستخبارية هو كسر حالة التعاطف التي بدأت تنتشر بين الإسكندنافيين مع القضايا العربية.

في مسلسل سقف العالم حاولنا الرد بشكل حضاري على المتطاولين من خلال «رسالة أحمد بن فضلان» الذي رسم صورة تلك البلاد قبل نحو ألف ومئة عام، كي نذكر الإسكندنافيين من هم وكيف كانوا، ونذكر العرب من هم وكيف كانوا. قدمنا شخصية منفعلة تقول: «شعب الأبقار يجب أن يدفع ثمن إهانة النبي عليه السلام»، وفي مقابلها قدمنا شخصية فاعلة تقول: «الذين أساؤوا يجب أن يدفعوا الثمن، لكن شعب الدانمارك، ليس شعب أبقار، بل هو شعب محترم، يقدس العمل، صحيح أن تعداده خمسة ملايين فقط، لكن هؤلاء الملايين الخمسة يُطعمون خمسة وخمسين مليوناً من البشر»، كما قدموا للبشرية أربعة عشر فائزاً بجائزة نوبل، ونخبة من العلماء والأطباء والفلاسفة».

في يوم السبت ما قبل الماضي قام سياسي يميني دانماركي فاشل يدعى راسموس بالودان بجريمة حرق القرآن الكريم في ستوكهولم تحت حماية الشرطة. بعد أن حصل على تصريح من السلطات، وبعد ذلك بيومين قام مَوْتور آخر يدعى إدوين واجنسفيلد هو زعيم جماعة بيغيدا المتطرفة المناهضة للإسلام في هولندا، بإحراق نسخة من القرآن الكريم بعد تمزيقها وتدنيسها، في لاهاي.

لا شك أن ما قام به هذان المجرمان جدير بأقصى وأقسى أشكال الإدانة والعقاب، لكننا يجب أن نتعلم من أخطاء الماضي، فعدونا يرسم خططه في ضوء العلم والعقل في حين نقوم نحن بالتصدي لتلك الخطط بالانفعال وردود الفعل! ونظراً لأن عدونا قد أشبعنا درساً وتحليلاً فقد بات بوسعه أن يتنبأ بردود أفعالنا بحيث صرنا نفعل ما يناسبه من دون وعي منا!

قبل أيام صرح وزير العدل السويدي أن التظاهرات التي اجتاحت عدة مدن في البلاد أدت لإصابة 26 شرطياً و14 متظاهراً وتدمير 20 سيارة شرطة.

نعم، في كل مرة يقوم الإعلام الغربي بتهميش إهانة مقدساتنا وقضايانا من قبل عملاء الموساد والتافهين من طلاب الشهرة، فيصور إساءاتهم تلك على أنها جزء من حرية الرأي التي يكفلها الدستور، ويغالي في التركيز على ردود فعلنا المنفلتة، ويصورها كفعل لا كرد فعل، وهكذا ينقلب حماسنا ضدنا ويتم إخراس كل الأصوات المتعاطفة معنا!

قبل سنوات وضعت لإحدى قصصي الاستهلال التالي: «إذا وقع الكوز على الحجر، فالويل للكوز، وإذا وقع الحجر على الكوز فالويل للكوز أيضاً!».

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن