فوجئت برسالة من المهندس المشرف على أعمال إعادة تأهيل القطاع السابع في البوكمال بدير الزور: حياكم الله أستاذ ميشيل.. سعدنا جداً بتشغيل محطة القطاع السابع وإدخال أكثر من سبعة آلاف هكتار في الاستثمار الزراعي من جديد. مبارك لنا جميعاً.
ويخاطبني الأستاذ عبد الله درويش المدير العام السابق للمؤسسة العامة لاستصلاح الأراضي بالمودة ذاتها، ويشيد المهندس عبد المجيد المصري مدير الفرات الأوسط سابقاً بتخصصي في الموضوع الصعب: استصلاح الأراضي.
منذ زمن بعيد جداً لا تواصل معهم إلا في الأعياد، لكنهم وبسبب حبهم لمشاريع كبرى مهمة جداً، يكنون هذا الود والاحترام لقلم وقف إلى جانبهم في معركة التنمية المستدامة،ذات البعد البيئي الإنتاجي، تصوغ العمود الفقري لسورية المكتفية المزدهرة.
مشاريع بعيدة، تتوق أن تزرع الصخر، وأن تحول الأرض اليباب إلى بساتين غناء وواحات تمر وعنب ورمان. مشاريع زرتها قبل الحرب الجائرة على سورية وأصغيت إلى فرح الفلاحين بها إذ نقلتهم، من شظف العيش بالجفاف إلى رغده بغدق الماء.
إن استصلاح الأراضي يعني تحويل الأرض المحجرة المحفورة غير المروية إلى أرض مستوية، مروية بالرذاذ والتنقيط والراحة بعد تزويدها بمصارف مكشوفة أو مغطاة، تذهب بالماء الزائد عن حاجة النبات إلى وديان بعيدة أو إلى النهر ذاته _الفرات _ منعاً لتملحها.
والقطاع السابع، في فوهة المدفع، في المنطقة التي تحدت فيها سورية أميركا وتمسكت بأرضها رغم الدمار، كان هناك جسر عرضه خمسمئة متر فوق الفرات بني بأعجوبة التنمية السورية قبل الحرب، دمره الأميركان، ليجعل الحياة في البو كمال عسيرة، وليغدو البناء شاقاً جداً، وهو أي الأمريكي يحوم فوق المنطقة وليس بعيداً عنها، ولهذا أقول إن إعادة تزويد القطاع السابع بمضخات عملاقة تضخ الماء من نهر الفرات إلى 7500 هتكار من الأراضي الزراعية فتنعشها وتهبها القدرة على إنتاج القمح والقطن والذرة الصفراء، لهو انتصار كبير في المعركة الاقتصادية، وفي إعادة بناء سورية. علماً أن المشروع ليس مضخات وحسب بل أقنية محمولة رئيسية وفرعية ومرشات، ومصارف مكشوفة ومغطاة.
إننا للأسف لا نحسن الحفاوة بانتصاراتنا، ونتركها تعبر وكأن شيئاً لم يكن، علماً أن إعادة التأهيل تلك قد استغرقت سنوات، منذ لحظة تحرير البوكمال من الإرهاب والسر يكمن في عدم المعرفة والتقدير.
وهذا النصر التنموي في عروس الفرات هو الثالث بعد عمل دؤوب بصمت وتحد، حول 15 ألف هكتار إلى أراض مروية، في القطاعين الثالث والخامس.
ومن يعرف يدرك أن القضية كبيرة لأنها توفر حافزاً كبيراً لاستمرار الشركة العامة ذاتها في هذا الكفاح التنموي على صعيدين: الاستمرار في إنقاذ التربة الزراعية في دير الزور من التملح، عبر آبار النضح العامودي، والثاني تهيئة 8500 هكتار من أراضي جنوب حلب ذات التربة الحمراء الخصبة للزراعة بماء عذب من نهر حلب الصناعي، عبر نفق سد خان طومان.
انتصار القطاع السابع، وسام وحافز ووقود جبار للسير قدما نحو استكمال سد خان طومان، وإعادة تأهيل محطة معالجة مجارير حلب، وتجفيف مستنقع السبخة الممتد ما بين أبو الظهور وسراقب وبناء سد المويلح للوصول إلى إرواء 125 ألف هكتار من أخصب الأراضي السورية في سهول حلب الجنوبية، بماء يصلح للري.
وانتصار القطاع السابع، يقطع الطريق على القنوط واليأس والتذمر ويفرد أفقاً رحباً لعمل ممكن يعطي تباعاً قمحاً وقطناً وذرة صفراء وشتى أنواع الخضار والفواكه.
ذات مرة في كوبا الدولة الصديقة المحاصرة أمريكياً منذ أكثر من ستين سنة، ومن أجل جني محصول خصب جداً من قصب السكر، أغلقوا المدارس والجامعات وزجوا بالطلاب والطالبات في عمل وطني صان لكوبا ثروتها الأهم.
هذا هو الإبداع، هذا هو التفكير من خارج الصندوق. الأرض أمنا جميعاً فلنخلص لها.