بعد الاحتلال الأميركي للعراق وسقوط نظام صدام حسين عام 2003، أصدر مجلس الأمن الدولي قراراً في الـ22 من أيار 2003 برقم 1483، تضمن إحداث صندوق التنمية للعراق DFI، وبموجبه أُلزم العراق بإيداع 95 بالمئة من عائدات صادرات مبيعات النفط ومنتجاته والغاز الطبيعي في الصندوق لدى البنك الاحتياطي الفيدرالي في نيويورك، وتحويل الـ5 بالمئة المتبقية إلى حساب صندوق التعويضات للأمم المتحدة كاستقطاعات لتسديد مبلغ 52.4 مليار دولار أميركي كتعويضات لأفراد وشركات كويتية، ولدول وجهات ومنظمات دولية منها، الأردن وإسرائيل، تدعي أنها تضررت نتيجة غزو صدام حسين للكويت في الثاني من آب 1990، وفقاً لقرار مجلس الأمن الدولي رقم 692، وقد خفضت تلك النسبة إلى 3 بالمئة عام 2018.
في الـ9 من شباط 2022، أعلنت لجنة التعويضات بالأمم المتحدة أن «العراق استكمل دفع 52.4 مليار دولار لتعويض الأفراد والشركات والحكومات».
وفي الـ23 من شباط 2022، أصدر مجلس الأمن الدولي قراراً بالإجماع أنهى بموجبه تفويض «لجنة الأمم المتحدة الخاصة بالتعويضات عن الأضرار الناجمة عن غزو العراق للكويت»، بعد أن «أنجزت مهمتها».
وزير الخارجية العراقي فؤاد حسين الذي كان أيضاً وزيراً للخارجية في حكومة مصطفى الكاظمي، بارك للشعب العراقي في جلسة الإحاطة بملف التعويضات، «إنهاء الالتزامات الدولية وخروج العراق من إجراءات الفصل السابع»، ما يعني، أن العراق خرج من الوصاية الدولية، ولم يعد ملزماً إيداع 95 بالمئة من عائدات صادرات مبيعات النفط ومنتجاته والغاز الطبيعي في الصندوق لدى البنك الاحتياطي الفيدرالي في نيويورك.
الأسواق العراقية خلال الشهرين الماضيين، اهتزت نتيجة اضطرابات حادة في قيمة صرف الدينار العراقي مقابل الدولار، متسببة في خسارة نحو 10 بالمئة من قيمة الدينار، وبارتفاع حاد في أسعار السلع والمواد الغذائية الأساسية، انعكس سلباً على حياة الفقراء ومحدودي الدخل، وعلى الرغم من أن الحكومة العراقية تمتلك فائضاً نقدياً احتياطياً غير مسبوق، وصل إلى أكثر من 90 مليار دولار بحلول نهاية 2022، إلا أنها بدت عاجزة في مواجهة مشكلات إدارة أزمات الأسواق العراقية المالية.
وزيرة المالية طيف سامي أشارت إلى أن «منصة ونظاماً مشتركاً بين البنك الفيدرالي والبنك المركزي كان من المفترض العمل عليها منذ العام 2018، لكنه طُبق العمل به لأغراض تدقيقية الآن، لذلك تسبب بارتفاع سعر الصرف بشكل مؤقت».
خبراء في المال والاقتصاد، يرون أن تقلبات سعر صرف الدينار العراقي مقابل الدولار الذي تشهده الأسواق العراقية منذ نحو شهرين، سببه الإجراءات الأميركية بشأن التحويلات المالية المُطالبة بـ«تفاصيل كاملة عن العملاء الذين يريدون تحويل الأموال» لتمويل مشترياتهم، محملين واشنطن مسؤولية ما نتج عن ذلك، من تنامي سوق المضاربات بالدولار وتهريبه، بسبب قلة كميات الدولار المعروضة في الأسواق.
رئيس الوزراء محمد السوداني سبق أن قال في المقابلة التي أجرتها معه صحيفة «وول ستريت جورنال» في الـ15 من كانون الثاني 2023: إن «تصرف مجلس الاحتياطي يضر بالفقراء ويهدد ميزانية الحكومة لعام 2023»، وإنه «سيرسل وفداً إلى واشنطن الشهر المقبل مع اقتراح بوقف السياسة الجديدة لمدة ستة أشهر».
السفيرة الأميركية لدى العراق إلينا رومانيسكي، قالت في لقاء متلفز مع «قناة التغيير» العراقية الفضائية في الـ23 من كانون الثاني 2023: إنّ «الولايات المتحدة لا تضع ولا تحدد سعر التصريف بين الدولار والدينار، وإنها لم تفرض عقوبات جديدة على مصارف في العراق، بل تواصل آلية استغرقت عدة سنوات لتقوية القطاع المصرفي العراقي لمساعدته على الامتثال للنظام المصرفي العالمي، وضمان منع استعمال النظام المصرفي لغسيل أموال الشعب العراقي وتهريبها إلى خارج العراق».
أميركا تتحكم وتعرقل صرف فائض احتياطي العراق من الدولار الموجودة في صندوق التنمية العراقي لدى البنك الفيدرالي الأميركي الذي تجاوز الـ90 مليار دولار، في اعتداء فاضح وخرق للسيادة العراقية.
رئيس تحالف «الفتح» هادي العامري، قال للسفير الفرنسي في بغداد أريك شوفاليه لدى استقباله في مكتبه في الـ10 من كانون الثاني 2023: إن «العراق يعاني غياب الاستقلال الاقتصادي بسبب وجود احتياطي البنك المركزي العراقي بالدولار في البنك الفيدرالي الأميركي»، مؤكداً أن «الجميع بات يعرف كيف يستخدم الأميركيون الدولار كسلاح لتجويع الشعوب».
العراق ليس مضطراً على اقتصار وضع أموال عائداته النفطية والتجارية في البنك الفيدرالي الأميركي بنيويورك حصراً، فتنويع وضع إيراداته المالية في البنوك المركزية الأخرى الأوروبية والآسيوية، يسهل حركة إدارة حساباته فيها من دون ضغوط.
كل الأعين تترقب زيارة رئيس الوزراء العراقي إلى نيويورك لترى ماذا سيفعل، فالأموال العراقية متوافرة، وما يجري وصاية أميركية اقتصادية بالإكراه خارج القانون الدولي، كاحتلالهم العراق عام 2003، بهدف تجويع الشعب العراقي وتركيعه، وهو لن يحصل.