يتسابقون على المناصب، يراوغون ويتفننون في صيد الفرص، همهم الكرسي، ولا شيء غيره، يلعقون كلامهم ويكذبون وعلى أتمّ الاستعداد ليغيروا مبادئهم وآراءهم ألف مرة، وفوق ذلك يتشدقون بمكافحة الفساد، وهم بيئة للفساد وألوانه…!
هل سمعتم يوماً مديراً أو مسؤولاً لدينا قال: لقد تعبت ولا طاقة لي كي أقدم النفع والخير لمهامي ولمؤسستي..؟ هل قال أحدهم ولو مرّة.. أفسح المجال لدماء جديدة، أو أنني لم أعد أصلح واستنفدت كلّ إمكاناتي..؟!
في بلدان أخرى.. يقولونها صراحة وبكل شجاعة، عندما يتركون مناصبهم لشعورهم أنهم لا يقدّمون شيئاً ذا نفع، يفسحون المجال للغير، علًه يقدّم ويعمل ويعطي قيمة مضافة..! في بلداننا لم ولن ولا يحصل ذلك أبداً..!
مدير أو مسؤول ما يبقى على كرسيّه سنوات، وربّما تتغيّر مهامه لقيادة مؤسسّة أخرى، ويبقى سنوات.. هل يا ترى لكفاءته.. أم لواسطته، أم..؟
يبدو أننا سنبقى نتمنى أن يقول أحدهم: «إنني لم أعد أصلح» أو كبرت وتعبت أو مرضت، ولم يعد لي التركيز الذهني والعطاء.. ابن العشرين يعارك ع المنصب، وابن الستين يهندس معارفه، والكلّ يتسابقون ومنهم من يتناوب على قيادة إدارة أخرى، والتراجع العام والعجز الاقتصادي لا حدود لهما، لا ضير المهم استلام منصب، والحالة من سقوط ومصائب إلى وضع هشّ جدّاً..!
هناك من يضع اللوم كلًه على ضعف الإنجاز التنموي والإداري على الحكومات المتعاقبة، وعدم نجاحها في تسليك المسارات وإصلاح الملفات العالقة منذ سنوات، ولم تلق مساراً تصحيحياً ينهي حلقات الوساطة والمعرفة وتقليد أشخاص مناصب ليسوا بكفاءة تخوّلهم لذلك..! والمواطن المتابع لتلك المسائل محقّ إذا سأل أو استفسر، وما يعانيه ويكابده نتيجة إخفاقات خطط ورؤى أشخاص يشغلون مسؤوليّات ومهامّ.. ، لكن بالمقابل هذا المواطن أو المراقب أو سمّوه ما شئتم مسؤول ويُلام أيضاً في أسباب التأخير أو الإهمال وحتى الفساد المستشري..! فمن خلال تصرفات أشخاص ومواطنين تشوّه صورة التعاطي وظهور نماذج لا تسرّ أحداً.. فبسبب واسطات البعض وضغوطات من بحوزته المال يمارسون ضغوطات على أصحاب المسؤولية لتولي من هو غير أهل للمنصب، أو من سيدفع من المواطنين لتغيير مسار مسألة، أو أخذ حقّ ليس له، وغيرها من فنون وأساليب الفساد التي يتلاعب فيها المواطن للضغط وتمريق مصالحه من جانب رجل السلطة التنفيذية، وهنا فقد أصاب الضرر البلاد قبل العباد، بسبب ممارسات خاطئة كان أبطالها وسماسرتها بعض المواطنين، ففي الوقت الذي يتحسّر على ما آلت إليه الأمور، من ضعف الإنتاج وقلّته، وتردي بعض الخدمات المقدمة،
هناك شريحة واسعة من البشر غير مكترثة وأفراد وربما مؤسسات أهملت أدوارها الوظيفية، فالموظف يأتي لدقائق ويغادر بلا أي إنتاجية أو تأدية لمهامه، وغيرها من الوقائع التي قد استفحلت بسبب الحرب والغلاء..!
فأي تنمية وإنتاجية تلك..؟ فإذا كان الموظف والمسؤول والمواطن هم من قليلي الإنتاجية والتقيد بالمهام وتنفيذ المهام، وربما الإهمال والتقاعس، وما أكثر تلك الحالات.. فماذا تكون صورة الأعمال الرسمية..؟
استحسان البعض لحاجات الناس، عززها البعض بالوساطات واستغلال المصالح بهدف تحقيق مصالح شخصية فقط، كلّ ذلك ساهم في ضياع الوقت وهدر المال العام..!
الوقت اليوم تلزمه نخب فاعلة، ودور اجتماعي محلي نشط، ولرؤية قياديين بموقع المسؤوليات على درجة متقدمة من النزاهة وتأدية الواجبات بحسّ عالٍ، يتحلون بالإرادة والرؤية الثاقبة.. وإذا لم يتغير ذلك فنحن في دوّامة مستمرة من الأخطاء والتراجع في أنشطتنا وطول مدة المعاناة.!
علينا أولاً السعي الجاد لإصلاح المعوجّ في أنفسنا جميعاً أفراداً ومؤسسات، وتهذيب ممارساتنا لجعلها تصبّ في خدمة الصالح العام، وإصلاح كل ما يعانيه مجتمعنا ومؤسساتنا وتلك الخطوتان مطلوبتان، اليوم قبل الغد.!