استخدم عبارة عملية «انتقال سياسي» ولم يستخدم مصطلح «التغيير» في سابقة هي الأولى من نوعها.. قرار دولي بالإجماع حول العملية السياسية في سورية … مجلس الأمن يطلب من الأمين العام تنظيم «مفاوضات رسمية» بين الحكومة السورية والمعارضة تبدأ مطلع كانون الثاني
| الوطن – وكالات
اتفقت القوى الكبرى على قرار جديد في مجلس الأمن يدعو إلى وقف لإطلاق النار وبدء مفاوضات سلام في سورية اعتباراً من مطلع كانون الثاني المقبل برغم الخلافات التي شهدها اجتماع نيويورك لمجموعة الدعم الدولية بشأن سورية.
لقاء مجموعة الدعم الذي جرى أمس الأول في نيويورك سبقه ترجيحات وتأويلات متضاربة حول انعقاده أو لا انتهت في الغرفة المغلقة التي جمعت الرئيس الروسي فلاديمير بوتين مع وزير الخارجية الأميركي جون كيري يوم الأربعاء الماضي، بدا فيها وكأن موسكو مصرة على الحصول على ضمانات أميركية لتبارك عقد اللقاء وتشارك فيه.
النقطة الأهم في القرار الدولي كانت في موافقة الدول الخمس عشرة وبالإجماع عليه فيما بدا جدية دولية واضحة، ولأول مرة، وبرعاية أممية شرعية لمشروع الحل السياسي للأزمة رغم ما يعتريها من بعض التناقضات بين القوى المؤثرة.
وبينما ابتعد القرار الدولي عن إنهاء الخلافات الجوهرية حول دور الرئيس بشار الأسد في ما يسمى «مستقبل سورية» رغم أنه استخدم عبارة «عملية انتقال سياسي» ولم يستخدم مصطلح «التغيير» فتجاوز بذلك ليس فقط الخلاف حول دور الرئيس الأسد بل أيضاً نوع الحكومة التي لم يشر إليها إطلاقاً والتي يستمر الخلاف بشأنها بين من يرى أنها «انتقالية» وآخرين يريدونها «موسعة»، كما لوحظ أن قوائم المجموعات الإرهابية التي كلف الأردن إعدادها لم تحظ بموافقة الجميع فتم تشكيل مجموعة دولية جديدة لإعدادها سمح لإيران بالمشاركة فيها إلى جانب روسيا والأردن وفرنسا في ما بدا وكأنه إقرار من مجموعة الدعم الدولي بالدور الروسي والإيراني الفاعل في مكافحة الإرهاب في سورية إضافة إلى التنسيق الفرنسي الروسي على حين اعتبر غياب واشنطن عن هذه المجموعة وكأنه ترجيح لكفة التحالف الرباعي الذي تقوده موسكو على حساب التحالف الدولي الذي تقوده واشنطن والذي ثبت مراراً أنه لا يستهدف داعش كما يجب، بينما اعتبر تغييب تعبير «علمانية الدولة» وكأنه استلطاف للعاصمة الرياض بعد مؤتمرها للمعارضة الذي شاركت فيه تنظيمات يعتبرها البعض ومنهم دمشق «إرهابية» لأنها تقاتل إلى جانب جبهة النصرة.
وكان مجلس الأمن الدولي تبنى بإجماع أعضائه الخمسة عشر قراراً في ختام اجتماع على مستوى وزراء الخارجية ترأسه كيري الذي تترأس بلاده مجلس الأمن حالياً، لكنه لم يضعه تحت الفصل السابع.
ومن النقاط التي اعتبرت خطرة في القرار تسلسل العملية السياسية ولاسيما أن موضوع التعديلات الدستورية سيتبع مرحلة تشكيل «هيئة الحكم الانتقالي» ما يمكن عدة أطراف داعمة لمجموعات المعارضة المسلحة، التي يتيح لها القرار المشاركة بالعملية السياسية، أن تدخل تعديلات دستورية على هواها وحسب مقاييسها.
وطلب مجلس الأمن من الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون تنظيم «مفاوضات رسمية» بين الحكومة السورية والمعارضة «حول عملية انتقال سياسي» والهدف هو أن تبدأ هذه المفاوضات «مطلع كانون الثاني 2016» بالتزامن مع وقف لإطلاق النار على الأراضي السورية يفترض أن تساعد الأمم المتحدة في التوصل إليه ومراقبته.
وقال كيري: إن نص القرار «يوجه رسالة واضحة إلى الجميع بأنه حان الوقت لوقف القتل في سورية». مؤكداً أنه ليست لديه «أي أوهام» بشأن صعوبة هذه المهمة لكنه رحب «بالوحدة غير المسبوقة» بين الدول الكبرى بشأن ضرورة إيجاد حل للازمة في سورية.
وبينما بدا كيري متفائلاً حول تطبيق القرار ظهر التردد والواقعية على المبعوث الدولي إلى سورية ستيفان دي ميستورا فبينما قال كيري للصحفيين بعد تبني القرار: «في كانون الثاني نأمل أن نكون قادرين على تطبيق وقف إطلاق نار كامل، أي لا مزيد من البراميل المتفجرة ولا مزيد من القصف أو إطلاق النار أو الهجمات، لا من هذا الطرف ولا من ذاك» قال دي ميستورا: «نأمل (…) أن نتمكن من تحقيق ذلك في كانون الثاني».
تجدر الإشارة إلى أن مشروع القرار لم يتطرق إطلاقاً إلى القضية الخلافية الأساس والأهم بين دول مجموعة الدعم وهي دور الرئيس بشار الأسد خلال المرحلة الانتقالية، إذ أكدت فرانس برس «لا يشير القرار الذي تم تبنيه الجمعة إلى مصير الرئيس السوري بشار الأسد الذي يريد الغربيون، خلافا لروسيا وإيران، رحيله من دون تحديد موعد لذلك، والخلاف على هذه النقطة يشكل عقبة رئيسية أمام تسوية».
لكن الدبلوماسية الأميركية واصلت العزف على سيمفونيتها المعهودة حول رفضها أي دور للرئيس الأسد في مستقبل سورية وجاء اجتماع نيويورك والقرار الدولي الذي تلاه كفرصة لواشنطن لمواصلة عزفها المنفرد، الأمر الذي واجهته الدبلوماسية الروسية بقوة مؤكدة حصر القرار على الشعب السوري، وقد وافق المشاركون في هذا الاجتماع على التفاوض مع دمشق لكنهم طالبوا برحيل الرئيس الأسد مع بداية الانتقال السياسي.
بالعودة إلى لقاء نيويورك الذي سبق قرار مجلس الأمن الذي أكد دعمه لبيان جنيف الذي أقر في حزيران 2012 بشأن انتقال سياسي في سورية و«صدق بيانات فيينا» الذي اتفقت عليه القوى الكبرى في اجتماعيها في تشرين الأول وتشرين الثاني الماضيين.
فبحضور وزراء خارجية 17 بلداً لما يسمى مجموعة الدعم الدولية بشأن سورية عقد اجتماع ثالث في إطار عملية فيينا الجمعة الماضي في نيويورك تم التأكيد فيه على خارطة الطريق لحل الأزمة السورية و«التي تتضمن إلى جانب اللقاء بين المعارضة والنظام ووقف لإطلاق النار، تشكيل حكومة انتقالية خلال ستة أشهر وانتخابات خلال 18 شهراً».
ولوحظ أن قرار مجلس الأمن الجديد يوضح أن وقف إطلاق النار لن يشمل العمليات التي تستهدف المجموعات المتطرفة مثل جبهة النصرة وتنظيم داعش الإرهابيين، بل يدعوه إلى «القضاء على الملاذ التي أقامته على جزء كبير» من سورية.
وتضمن القرار الذي جاء بعد مفاوضات شاقة بين الدول الخمس الدائمة العضوية في مجلس الأمن الدولي، تغييباً لبعض أطياف المعارضة السياسية على حين أشار إلى «جدوى اجتماع الرياض» الذي عقد من 9 إلى 11 كانون الأول في العاصمة السعودية وشارك فيه جزء من المعارضة السورية، لكن موسكو انتقدته بشدة.
وشاركت في اجتماع نيويورك الولايات المتحدة وروسيا وفرنسا وبريطانيا وتركيا والسعودية وقطر والإمارات العربية المتحدة وسلطنة عمان ولبنان والأردن والصين ومصر وألمانيا وإيران والعراق وإيطاليا وكذلك الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي ومنظمة التعاون الإسلامي والجامعة العربية.
وفي معرض التعليق على هذا القرار سارعت المعارضة إلى وضع العصي في العجلات إذ قال الائتلاف المعارض: إن بدء مفاوضات وقف إطلاق النار في كانون الثاني أمر غير واقعي.
وطلب ممثل الائتلاف في الأمم المتحدة نجيب غضبان «نحو شهر واحد» للإعداد لمفاوضات السلام، والنقطة الحساسة الأخرى هي لائحة التنظيمات «الإرهابية» التي يجب أن تستبعد من عملية السلام، والتي كلف بيان فيينا 2 الأردن إعدادها.