النقاش حول تغيير الحال في سورية يأخذ في بعض الأحيان أسلوب الأبيض أو الأسود.. إما هذا أو ذاك، وبدا واضحاً أننا أمام ثنائيات الخير والشر ليس بين مؤيد ومعارض، أو بين من داخل سورية وخارجها فحسب، بل بين ثنائيات أخرى تتوالد حتى مع الأحداث العابرة، وكل خبر قادر على خلق ثنائية جديدة من نوع أبيض أو أسود.
لكن ثمة طرح يحتاج إلى نقاش عميق.. اقتصاد أم سياسة؟ بوضوح أكبر هل الحل السياسي أولاً.. أم الحل الاقتصادي؟
الذين يطرحون مقولة إن كل شيء متوقف على وجود حل سياسي يقولون إن جذر المشكلة هنا، وبالتالي فإن حلها ينطلق من وجود حل سياسي وبعدها تصبح الأشياء قابلة للحل.
والبحث عن حلول للاقتصاد من دون مظلة الحل السياسي غير ممكن، لأن الأساس في كل الأوضاع الاقتصادية يعود إلى عدم وجود حل سياسي يرفع العقوبات وينعش الاقتصاد بالأموال والاستثمارات.
أهم من ذلك يقولون النمو الاقتصادي يحتاج إلى بيئة سياسية تتمتع بالكفاءة ولا تسمح بالفساد والاحتكار.
المقابل الآخر يقول: إن القوة الاقتصادية هي المفتاح الرئيس لكل إصلاح، ولا معنى لحل سياسي في ظل ظروف اقتصادية صعبة، وفوق كل ذلك فإن انتظار الحل السياسي أطول من انتظار غودو، فلا يمكن قبول استمرار الأوضاع المعيشية الصعبة وتدهور مستوى الحياة حتى ينضج الحل السياسي، وأبعد من ذلك وأخطر أن الأيادي التي تدير الحل السياسي دولياً ليست صالحة لصناعة حل سياسي، بل على العكس كثير منها بحكم المصلحة لا يرغب ولا يسعى لأي بوادر حل سياسي.
لكل هذا فإن البحث عن الحل الاقتصادي أكثر واقعية، وهو في الوقت نفسه لا يعطل استمرار السير باتجاه الحلول السياسية، فلا تعارض بين الطريقين ولا تضاد بين الحلين.
وفي أغلب الأحيان تشعر الدول أن الأزمات الاقتصادية تكون محفزاً لإيجاد بدائل داخلية تقي من العقوبات ومن إغلاق الحدود والمنافذ.
لاشك أن الحل السياسي يفتح مجالاً واسعاً للانتعاش الاقتصادي، على اعتبار أن العقوبات والحصار وتوقف الاستثمار وسرقة الثروات كلها تمت تحت لافتة واحدة وأن الحل السياسي يرفع هذه اللافتة من التداول.
لكن لنتذكر أن كثيراً من دول العالم لا تعيش حروباً من النوع الذي نعيشه، ولديها أزمات اقتصادية مؤلمة، فليست الأوضاع السياسية العصا السحرية للاقتصاد. وأهم من ذلك وهي حجة قوية كثير من دول حولنا أو أخرى بعيدة عنا ليس لديها حياة سياسية، لكن لديها أموال وقوة اقتصادية وأصبحت لاعباً نشطاً في عالم السياسة العالمية.
هذا الموضوع يأخذنا للحديث عن مدى إمكانية القدرات الذاتية للاقتصاد السوري، وهل نستطيع داخلياً أن نسير أبعد في مجال الحل الاقتصادي.. لاشك أن الإمكانات الذاتية قادرة على تخفيف الألم، لكنها غير قادرة على معالجة المرض.
ربما يكون مفيداً في كثير من الأحيان تخفيف الآلام بالمسكنات، لكنه ليس حلاً ولا علاجاً يمكن الاعتماد عليه.
بظني أن الاقتصاد أكثر أهمية من السياسة، وأن الناس تركز اهتمامها على لقمة العيش أولاً قبل أن يعنيها أي شيء آخر، وأن تصريح بقال الحارة أهم من تصريح أي سياسي.
ولا شيء يمنع من العمل معاً في الوقت الذي نفتح الأبواب لأي حل سياسي نسير بالاهتمام بحياة الناس، وذلك أكثر جدوى من مبدأ إما الحل السياسي وإما لا حل.
الموضوع يحتاج إلى نقاش أطول لكن الزاوية قصيرة واليد أقصر.
أقوال:
– إذا كانت العربة هي السياسة والحصان هو الاقتصاد فيجب وضع الحصان أمام العربة.
– لا يوجد شيء اسمه «بعيداً عن السياسة».
– لا أحد يستطيع أن يحصد الثمار قبل أن يزرع الأشجار.