قد يقول قائل: أنا أفهم المرأة فهماً دقيقاً، ولا يفوتني أمر، وربما تباهى هذا الشخص بأنه يملك القدرة على التعامل مع كل النساء، وربما وضع مقياساً في المعرفة والحب والتعامل مع كل النساء اللواتي عرفهن لا يغيره، من أمه إلى أخته إلى زوجه وابنته، وربما كان يباهي بأنه خبير لا تفوته فائتة، ودوماً نجد مثل هؤلاء الرجال أمامنا، وربما أمضى واحدهم حياته وغادر وهو على هذه القناعة، ليكتشف من بقي بعده، وأولهم المرأة أنه عاش جاهلاً ومات جاهلاً ومغروراً، إذ إن الطبيعة البشرية، وإشارات الكتب السماوية، والتي لم تفهم بالشكل الصحيح، والدراسات النفسية تؤكد بما لا يقبل الشك أن هذه القاعدة مختلة تماماً، فما من واحد يمكن أن يفهم المرأة والتي وصفها الله بالكيد العظيم على المنحى الإيجابي، ولا من يفهم المرأة بتقلباتها النفسية والفيزيولوجية، والصواب، وربما القريب من الصواب وليس هو أن يقول القائل: من الصعب أن تجد من يفهم المرأة، بل من المستحيل أن تعثر عليه، ولكن من الممكن أن تجد شريحة قليلة من الرجال يجيدون التعامل مع المرأة، وإجادة التعامل شيء آخر ومكتسب، ولا ادعاء فيه من الرجل بالفهم غير الصائب، والذكاء غير الصحيح، وإلا ما وجدنا من يتعامل مع أمه تعاملاً يختلف عن تعامله مع من يحب، وكأنه خرج من الجدار، وكأن أمه ولدت أماً، وما كنا وجدنا من يتعامل مع المرأة بكل طيوفها تعاملاً شهوانياً رخيصاً، وما وجدنا من ينظر إلى العلاقة التي تجمع رجلاً وامرأة على أنها علاقة دونية غير مقدسة، وما كنا وجدنا من ينسى نفسه وما قام به ليتهم المرأة بأقسى الأوصاف والنعوت، وقد سبق نزار قباني بالقول الرائع (وسرير واحد ضمهما) ومع ذلك يتابع (تسقط البنت ويحمى الرجل) هذا على الصعيد الاجتماعي الذي لا يرى أي شيء يعيب الرجل، ويرى أن المرأة هي من يجب أن تدفع الثمن، ويبقى الرجل بعنترياته مباهياً لا يكترث لشيء كما قدمه العرف الاجتماعي الذكوري، في مجتمع ذكوري بتمامه في الشرق والغرب على السواء، مع أن الإشارات الدينية المقدسة تشير بوضوح إلى تلازمهما، وإلى أن العقوبة الاجتماعية والدينية تقع على كليهما، ولكننا في التطبيق نحينا الرجل جانباً، وفي التفسير غيّرنا، وفي العرف الاجتماعي صارت المرأة عائبة، أما الرجل فصار الأمر عادياً أمام مجتمعه وغالباً لا ننتبه إلى سخرية المرأة من كل ما حدث ويحدث، ونزعم أننا فهمناها!
ولكننا أبعد ما نكون عن الفهم، والأصح أو الأقرب إلى السلامة أن نجيد التعامل معها، فالمرأة تختلف عن الرجل، لأنه من الممكن أن تلتقط صورة له من زاوية واحدة فكرياً ونفسياً لا تختلف مع الزمن، وخاصة مع إحساسه بالسطوة الذكورية، أما المرأة فموشورية الحياة، وأنت بحاجة لالتقاط عشرات اللقطات في الساعة الواحدة لها، ومن هنا تأتي صحة القول بإجادة التعامل معها لا فهمها، فالمرأة تحتاج إلى من يجيد التعامل معها لا إلى من يفهمها، لأنها كتلة متقلبة، وليست معادلة رياضية قابلة للحل، ومن ثم يتم طيها في ورقة ضمن كتاب.
ساقني لهذا الحديث ما أراه من نفسي أولاً، ومن الذين أحاورهم وهم كثر، وكلما تحاورنا أعود إلى الرأي الطبيعي والإنساني الحقيقي بأن البطولة الحقيقية في الحياة الإنسانية، والمشتركة هي للمرأة وليست للرجل، وهي القادرة على أن تجعله رجلاً بمعنى الرجولة والمواصفات، وهي القادرة على أن تسلبه كل معاني الرجولة بحق أو بغير حق!
الرجل يحدد ما يريد، ويفصح عما يريد، ويمشي إلى ما يريد بوعي، وربما بتباهٍ كبير ليصل إلى غاياته، التي غالباً ما يزهد بها بعد تحققها، أما المرأة فتحدد ما تريد ولكنها لا تفصح عما تريد، وتضع كل جهدها في السعي إلى ما تريد دون الإفصاح، وربما استبدلت الإفصاح بالإنكار، وعندما تصل إلى ما تريد تحرق كل المراكب، وتقلب كل المقاييس والمعايير، وتجري عملية انقلابية جذرية في الوضع الذي أرادته ووصلت إليه، وحينها تبدأ بالإفصاح عما أخفته، وتظهر مخططاتها المخفية عن الأعين، ومع أن كليهما وصل إلى النتيجة نفسها، لكن ما وصل إليه الرجل قد يزهد به، أما المرأة فتتمسك به ، وإن كان دون مستوى طموحها، ولكن المرأة حسب الفلسفة تتمسك بما خططت إليه، وما عملت من أجله، ومن يعترف بأنه يجيد التعامل مع المرأة يقول بأن المرأة لا تريد أن تعترف بإخفاقها، ولا بسوء ما وصلت إليه، لكنها تريد أن تحترم المرحلة التي قطعتها بين الاندفاع سراً والإنكار جهراً لجملة عواطفها، ومن هنا يمكن أن يفسر اندفاع المرأة سلباً وإيجاباً باتجاه ما عملت لأجله، وهي لابد أن تتم الأمر إلى النهاية حتى وإن كان خاسراً في كل حساب…! ويأتي من يزعم أنه يفهم المرأة، وحين يعجز يرد ذلك إلى كيد المرأة وخديعة أمنا حواء لأبينا آدم البسيط الذي أغوته وأفعاها فحادت به عن طريق الاستقامة!
بعد رحلة في الحياة والقراءة والاطلاع أزعم أن المرأة من المحال أن يفهمها أي رجل مهما كان من العلم، ويمكن أن يدعي ببساطة أنه يجيد التعامل معها، وحقاً يمكن أن نجد من يحسن التعامل مع المرأة، وإن كان جاهلاً بها ولا يفهمها…!
بعض الكتاب والساسة والفلاسفة يجمع بين المرأة والسياسة، ويقول: المرأة كالسياسة! فهل هذا الربط نقبله أم إنه غير منطقي؟ كذلك السياسة كل يوم تقرأ لمن يدعي فهمها، ومن ثم يتحول، لأنه يجيد التعامل معها ولا يفهمها حق الفهم.. والسياسة هي القادرة كذلك على حرق كل المراكب، وعلى قلب المعايير والإقناع بأنها وجه للحقيقة، وربما الوجه الأكثر إقناعاً، ربما.. لكننا من المؤكد لم نصل إلى فهم دقيق لكليهما.