تبدو مؤشرات عودة العلاقات السورية – التركية، تتعاظم، انطلاقاً من أنها مطلب تركي، ومصلحة روسية إيرانية، الأمر الذي يفرض على كل من موسكو وأنقرة وطهران ضمان المصلحة الوطنية السورية كما تراها دمشق.
إن العلاقات بين الدول تحكمها المصالح، ويترتّب عليها تحول الأصدقاء إلى أعداء والأعداء إلى أصدقاء، فسياسة دولة ما تقوم على مجموعة من الأهداف التي تتبلور في سلوكها تجاه الدول الأخرى، وقد تكون تلك العلاقات إيجابية أو سلبية، تتراوح من قطع العلاقات أو تخفيض مستواها إلى التدخل في شؤون الدول الأخرى، أو في الحالة المعاكسة، التنازل لاستعادة العلاقات، وذلك بحسب ما تقتضيه المصلحة.
يعد مفهوم المصلحة الوطنية، مفهوم واقعي، ارتبط بنشوء الدولة الحديثة ويحمل تعاريف عديدة امتزجت بمفاهيم أخرى كالقوة والأهداف الوطنية، حيث نجد أن المصلحة الوطنية المعرّفة بالقوة ترمز إلى البحث عن القوة بما يضمن البقاء، فتضارب المصالح الوطنية للدول يعبر عن الصراع على القوة، والقوة هي القدرة على ضمان مصالح الدولة ولو في حدها الأدنى المتمثل في الوحدة والاستقلال والبقاء، وهذا يعني وحدة أراضي الدولة والحفاظ على مؤسساتها.
ويرتبط مفهوم المصلحة الوطنية بالأهداف الوطنية للدولة، فالهدف العام للدولة هو حماية السيادة الإقليمية ودعم الأمن من خلال المحافظة على الكيان والسعي إلى التغلب على التهديدات الموجهة ضد القيم أو المصالح التي تعتبر حيوية لأمن الدولة، ويرى الألماني هانز مورغنثاو، وهو أحد رواد القرن العشرين في مجال دراسة السياسة الدولية، أن الحفاظ على وجود الدولة على قيد الحياة، هو أهم عنصر، ومن ثم تأتي عناصر أخرى كالأمن الوطني، والعمل المستمر على زيادة قوة الدولة، وبالتالي فإن مفهوم المصلحة الوطنية من أهم مفاهيم العلاقات الدولية، ودائماً ما يستخدم لتبرير سياسات الدول تجاه بعضها.
ولفهم مصلحة كل من روسيا وإيران في عودة العلاقات بين دمشق وأنقرة، تجب الإشارة إلى الخطر الكبير الذي يشكله الوجود الأميركي في منطقة شرق وشمال شرق سورية، التي تهدف إلى ضبط إيقاع صعود نفوذ القوى الدولية الفاعلة في المنطقة مثل روسيا وإيران وتركيا، وبالتالي فإن مصلحة موسكو وطهران تقتضي بحكم الضرورة تعاوناً مع أنقرة، وهو ما يتطلب عودة العلاقات بين سورية وتركيا.
في السياق ذاته، فإن عودة العلاقات التركية السورية، مطلب تركي، قياساً بأن التقارير الإعلامية التركية تشير بوضوح إلى أن الرغبة التركية في عودة التقارب مع دمشق ناتج عن تدخل أميركي مباشر في الانتخابات الرئاسية التركية ضد الرئيس رجب طيب أردوغان ونظامه.
إذاً يعد الحدث السوري، إحدى تداعيات التفاعلات الصراعية في النظام العالمي الذي بدأت وحداته تتصادم على المنطقة التي تعتبر امتداداً أوراسيا، إذ تسعى الدول العظمى إلى السيطرة عليها بما يضمن لها التفوق في أوراسيا، وهو ما جعل من الوجود الأميركي في المنطقة خطراً على القوى الدولية الأخرى.
بناءً على ما سبق، تسعى الدولة السورية لتحقيق مصلحتها القائمة على أساس ما نصت عليه جميع القرارات والاتفاقات الدولية المتعلقة بالأزمة السورية، وعلى رأسها ما أكده قرار مجلس الأمن الدولي 2254، الذي ينص على ضرورة الحفاظ على وحدة وسيادة واستقلال سورية، وهو ما تكرره دمشق دائماً بالتأكيد على استعادة السيطرة على كامل أراضيها وخروج كل القوات غير الشرعية من أرضها والقضاء على التنظيمات الإرهابية فيها، وهو ما يجب أن تضمنه موسكو وطهران وأنقرة لدمشق، فتحقيق المصلحة الوطنية والإقليمية السورية، شرط أساسي لانخراط دمشق في مشروع يضم تركيا ويسعى لمواجهة النفوذ الأميركي في الإقليم.
إن استعادة السيطرة على آخر شبر من الأرض السورية يمثل خياراً رئيسياً للدولة السورية، إلا أن هذا الخيار محاط بالكثير من الإشكاليات ويحتمل الكثير من السيناريوهات، أبرزها التزام تركيا بذلك، وقدرة روسيا وإيران على ضمان ذلك، ومن ثم فإن الطريق لعودة العلاقات السورية – التركية، محكوم بمدى القدرة على إيجاد تفاهمات ولو بالحدود الدنيا بين الفاعلين الدوليين المباشرين في هذا الملف، فيما يخص تقاطع مصالحهم في سورية وبما يحقق المصلحة الوطنية السورية.