سورية أيتها الحزينة
حلب يا شقيقة سيف الدولة
اللاذقية حافظة أبجدية التاريخ
حماة أبي الفداء
طرطوس العروس البهية
وشام الحب والحضارة
يا كل بقعة في بلادي
حين تفور الأرض وتخرج براكينها، لا يحجبها ماء، ولا يمنعها مانع، ولا يصدّها جبل، أوى ابن نوح إلى جبل يعصمه من الماء! فعجز الجبل، وهلك من هلك إلا من كل زوجين اثنين، كان الخيار مركب الحب للوصول إلى بر الأمان.
لم ينفع الحب مع ابن نوح
لم ينفع التوسل لزوج نوح
جمع القوم لإبراهيم حطباً عظيماً لإحراقه، وكان نداء الله (كوني برداً وسلاماً)
كانت برداً وسلاماً
ولكن الحب والإيمان جعلاه مثلاً ومثالاً
تلّه إلى الجبين ولم تكن السكين قاطعة
الإيمان منعه أن ينظر إلى السكين ونوعها..
وكان ذبحاً عظيماً..
وأتى طاعون لم يبق أحداً
وجاء طوفان تخلص من الكثيرين
وجاء الزلزال فأباد الحواضر
وشحذ الإنسان علمه ليجهز على ما تبقى..
غضب الكون مؤلم
غفلتنا رحمة..
في الغفو كانت.. لكن الساعة أيقظت..
أرادت رحمة لمن أرادت
أرادت عظة لمن أرادت
وأرادت خاتمة لمن أرادت
بالأمس كان يجادل في الحياة وأسلوبها..
كان يشكو مما ليس يملك
خبأ ما اكتنزه، قليلاً أو كثيراً، في أدراجه
والثواني المعدودة طمرته وطمرت ما خبأه اليوم للأسود
لم يدر أن يوم الدمار أقرب
لم يعرف أن الخراب أقرب
مشهد المعقول واللامعقول
معقول الإيمان بالناموس
لا معقول امتداد الأمل
هذا كان يشكو مما هو فيه!
وذاك كان يخطط لزيادة ما لديه!
وإذا بالأسرّة تهتز تحت مالكها
وإذا بالثواني تملك كل شيء..
وللعين الملاحظة مكان فهل وعتْ؟
الصمت يلف كل شيء
وفار التنور
وجلس الإنسان القرفصاء وهو يحدد مكانه..!
صوت واحد كان يصل
بل أصوات كان تصل بقوة..
لا يدري إن كانت تجأر بما عجز عن قوله
لا يعرف إن نجت
لأنها استشعرت بما سيجري
الكلاب تعوي
كلاب ضارية
كلاب أليفة
ربما تنتظر اكتمال الثواني لتروي جوعها
تحتاج إلى فريسة في هدأة الصباح مع رائحة الدمار..!
ويأتي الصوت مذعوراً..
لم يبق سوى نباح الكلاب، مع الزلزلة ارتفع
ربما كانت ذاتها
ربما زاد عددها
لكنها ملأت شعاب الأرض تبحث عن فريستها!
قالوا: جاء الطاعون على الشام فمات كثير من أهلها..
وقالوا: حدث الزلزال وزالت الحواضر التي كانت..
ذكر المؤرخون
رثى الأدباء والشعراء
وصف الكتاب
وحين نقرأ نعجب ونستنكر أن يكون قد حصل..
لكنه مع ارتفاع نباح الكلاب نعرف أن ما حدث حقيقة
استبدل قوماً بقوم
غاب قوم وجاء قوم
ويشمت هذا، ويتحدث ذاك!
ويفلسف الأمر متحذلق!
وتبقى الأجساد مطمورة تنتظر المنقذ
وأنصاف الأرواح تصبح نهباً بين كلاب شاردة ضارية..
تلتقط العدسات صورة دمار
تأخذ لقطات انهيار
ويبقى في الغاية بناء الإنسان وانهياره!
فهل كان بالحسبان؟
كان ساجداً مسلّماً
وربما كان خائفاً ولائذاً
أياً كان فالخوف تسليم
وآن للكون أن يحجب الأجساد الطاهرة عن الكلاب الشاردة
فقد أدميت الأرواح لأجساد قبورها بطون الكواسر
ستلتئم الجراح وتشفى الأرواح
ولو منع عنها الهواء..!
ولو كانت وحيدة لا معين ولا أنيس
يجفّ الدم النافر إلى السماء
ويخرج يونس من بطن الحوت
ولن يعنيه سخرية من سخر..
ويبقى أدب أيوب في الدعوة منهجاً
ورحمة يسوع تشمل
ومحمد يمسح الغبار عن الأجساد
أشكو إليك ضعفي وهواني على الناس..
أربعون ثانية هي قبضة من القبضات
فكيف تكون القبضات الأشد؟
لزبد البحر أجساد طاهرة
ونداء الروح الثكلى يجأر بالشكوى
لا ينفع في شيء أن يحدثنا بعضهم عن العبرة والسلامة!
ولا أن يمنحنا نصاً لدعاء الزلازل!
ولا أن يقدّم لنا نصحه فيما لو وقعت كارثة!
إن وقعت الواقعة لا ردّ لها
تحسس مشاعر كلاب تجوب الطرقات وكأنها على موعد
وكن محباً.. لتغادر محباً في كل حال
لا تتخموهم بالدعاء فقد أنِسُوا بعد وحشة
وليكن الدعاء لما بقي ولمن بقي، فهو الأكثر جدارة بالشفقة
بلاء الربّ يحتاج إلى تكافل لا إلى تسوّل
اليوم يظهر الإنسان في جوهره لا في حديثه.
بسواعد السوريين وهمتهم والمخلصين وطاقاتهم والمحبين لسورية وإنسانها وحضارتها، ستنهض من جديد وتلملم أحزانها في رحلة الحياة.