«فيروز» تغرّد في وسائل الإعلام الجزائريّة عبر صوت سوري … «ميس حرب» لـ«الوطن»: غناء فيروز هو صلاة أكثر منه غناء .. احتفاء جزائري بصوت سوري لفيروز العرب
| عامر فؤاد عامر
تناولت وسائل الإعلام العربيّة، وقسم من وسائل الإعلام الغربيّة؛ في الفترة السابقة خبر بلوغ السيدة «فيروز» عمرها الثمانين، فكانت المقالات تزيد من اجتهادها في الوصف والإطراء، والعودة للذكريات الرحبانيّة، وكلٌّ احتفل بعيد ميلاد «الديفا» الأخيرة الباقية على قيد الحياة؛ وعلى طريقته الخاصّة، لكن للوكالة الجزائريّة للإشعاع الثقافي أسلوبها المتميّز في ذلك الاحتفال، إذ قررت تنظيم حفل غنائي رفيع، من خلال البحث عن صوت عربي يؤدي مجموعة من أغاني السيدة «فيروز» بأسلوب متفرّد وبعيداً عن لغة التقليد.
قبل العرض
التحضير للاحتفال جاء بمشاركة عربيّة بين غرب الوطن وشرقه، أي بين الجزائر في المغرب العربي وبلاد الشام في المشرق، فقد كان هناك اجتهاد وتنسيق بين الوكالة الجزائريّة للإشعاع الثقافي، وشركة «مقام» للإنتاج الفني القائمة في الأردن، ليقع الخيار على صوت الفنانة «ميس حرب» السوريّة، احتفالاً بعيد ميلاد السيدة «فيروز» اللبنانيّة، وقد التقينا السيد «سعود علان» مدير شركة «مقام» الذي أخبرنا عن الشركة وأهدافها: «هي جسم إداري يهتم باللغة الموسيقيّة التي تعنى بالاحتراف، والعمل الحقيقي على رفع الذائقة الموسيقيّة في الشارع العربي، و«مقام» مهتمة في البعد الصوفي للأغنية العربيّة، وهي تهتم ببناء علاقات مع هيئات وشركات الإنتاج التي تهتم بالأصوات الجميلة على امتداد الوطن العربي، ومع مرور السنوات ومن خلال التجربة وجدنا أن هناك كثيراً من الأصوات المميّزة لدينا، لكنها تشترك في مشكلة واحدة وهي أن لا قدرة لديها على إيصال أصواتها بالصورة التي تليق بها، بالتالي وجدت شركة «مقام» هنا هدفها لتبني هؤلاء، وتقديم المساعدة، وتوجيههم، مع المحافظة على استقلاليّتهم الفنيّة،من دون لغة الاحتكار، والعقود، والسيطرة، بل الهدف هنا نبيل في الشكل والجوهر، فنحن نعمل على تقديم أمثلة سليمة في عالم الغناء لأبنائنا من دون تشويه أذواقهم، فنقدم أصواتاً صحيحة، وبذلك ندعم الشباب ونساعدهم في إيصال رسالتهم من جهة، ونتواصل مع المهرجانات وشركات الإنتاج والجهات الثقافيّة التي لديها المبادئ والأهداف نفسها، ونقدم الفرصة لهذه الأطراف كي تتواصل مع بعضها، ونساعد الجيل الجديد في الاستماع أكثر والتعرف على الأصوات المهمّة في وطننا من جهة أخرى، وشركة «مقام» لديها اهتمامات أخرى ليس فقط فيما ذكرت بل في المسرح ومشاريعه المتعددة».
أقيمت الحفلة في الجزائر على خشبة المسرح الوطني «محي الدين بشطارزي» وتضمنت الحفلة 14 أغنية للسيدة «فيروز»، وأهمّها «سلملي عليه، طلعلي البكي، أنا عندي حنين، كيفك أنت، ضاق خلقي، حبيتك تنسيت النوم، بتذكرك، دقيت طل الورد عالشباك، جلنار، قديش كان في ناس، أسوارة العروس، وطريق النحل»، وقد تمّ اختيار ستة عازفين سوريين أساتذة لمرافقة «ميس حرب» وهم: «رشيد هلال»، و«باسم صالحة»، و«محمد نامق» و«رأفت أبو حمدان»، و«ديمة موازيني»، و«عفيف دهبر». وبدأت التحضيرات في دمشق فاختيرت الأغاني مع مقطوعتين موسيقيتين، فكانت الحصيلة فيها التنوع بين كلّ الأنماط التي غنتها «فيروز» من خلال الجمع بين أكثر من ملحن، ما بين «الأخوين رحباني»، و«زياد الرحباني»، و«فيلمون وهبي»، و«محمد عبد الوهاب».
اهتمام إعلامي
كيف كان ردّ فعل الجمهور هناك ما بين منظمين وحضور؟ وكيف تعاملت الصحافة الجزائريّة والسوريّة والعربيّة مع الحدث؟ هذه الأسئلة وغيرها وجهناها للفنانة ميس حرب التي أجابتنا قائلة: «كان لدي بعض التخوّف من أن يصيب الجمهور نوع من الملل، وذلك لكثرة الأغاني الهادئة نسبةً للشعبيّة منها، ولاسيما أنّ زمن الحفلة كان ثمانين دقيقة، ولكن الجمهور كان أكثر من رائع فتفاعل في جميع الأغاني، وكان حماسه واضحاً في الأغاني: «حبيتك تنسيت النوم»، و«ضاق خلقي»، والصمت التامّ في الأغاني ذات الطابع التراجيدي أو الحزين، وأذكر أن لحظة التصفيق كانت تجعلني أشعر بطاقة كبيرة وفرح لم أشعر به في أي حفل آخر، فقد كانت تظهر في مكانها المناسب، ما زاد من طمأنينتي بأن إحساسي وصل إليهم كما يجب. أمّا منظمو الحفل فقد أشاروا إليّ بأن الشعب الجزائري لا يستطيع المجاملة، فلو لم يُعجَب الجمهور بما سمعه لكان غادر الصالة من دون تردد، ولكن الجمهور بعد انتهاء الحفل ظل يطالب بالمزيد من الأغاني، فقدّمنا إكراماً لذلك أغنية إضافية لم تكن في البرنامج. وقد تفاجأت بحجم الدعاية والإعلانات السابقة للحفل، وبالدّقة والتركيز على جميع التفاصيل في العمل، كما تفاجأت، وكنت سعيدة جداً بالتغطية الإعلاميّة الكبيرة للحفل على العديد من وسائل الإعلام من قنوات تلفزيونيّة جزائريّة وإذاعات وصحف ومواقع انترنت، وتداولت بعض المحطات العربيّة الخبر عن الحفل، أمّا في سورية فيحزنني أنه لم يظهر أي خبر على أي محطة لدينا، فقط كان هناك خبر أو اثنان قصيران أحدهما في إحدى الصحف والثاني على أحد المواقع على الإنترنيت».
لماذا ميس حرب؟
بالعودة لمدير شركة «مقام» للإنتاج الفني، «سعود علان» وفي سؤالنا له عن سبب اختيار الفنانة «ميس حرب» لتمثيل الحفلة وهي خاصّة بالسيدة فيروز صاحبة أهم تاريخ غنائي مؤثر في الشارع العربي والمستمع العربي، فقال: «عندما طرحت الوكالة الجزائريّة للإشعاع الثقافي فكرة إقامة حفلة احتفاءً بعيد ميلاد السيدة فيروز الثمانين، طلبوا مني اختيار صوت من لبنان فكان هناك مجموعة من الأصوات المرشحة فعلاً ولكن قدمت لهم اقتراحي بأن هناك صوتاً سورياً مميزاً ومختلفاً عن كلّ الأصوات التي تمّ ترشيحها إضافة إلى أن اللقاء بين الجزائر وسورية طيلة فترة الحرب على سورية لم ينقطع فكان للجزائريين محبتهم الواضحة والصريحة مع السوريين، ووثقت بأن الفنانة «ميس حرب» الواعية وطنيّاً وسياسيّاً ستكون خير مثل للقاء بين الشعبين السوري والجزائري، ولدى سماع جميع الأصوات المرشحة لإحياء الحفل كانت النتيجة اختيارهم للفنانة «ميس حرب» كما توقعت، ففنيّاً لا يمكن لشخص أن يضع ملاحظة على صوتها، وهي اليوم من أجمل الأصوات التي سمعتها في سورية، وعموماً سافرت إلى الجزائر وتابعت مجريات الحفلة فقد اكتظت الصالة بالجمهور الذي جاء من أماكن متعددة ومن خارج الجزائر أيضاً، ونجحت «ميس» في هذه الحفلة بقوّة».
خطوة مميّزة
أن تمثل إحدى فنانات سورية حفلاً فنيّاً بحضور شخصيّات مثقفة وفنيّة وفي بلد عربي، يعدّ خطوة مميزة ولاسيما أن التكريم المقصود من الحفل هو لأهم سيدات الغناء العربي «فيروز»، وفي سؤالنا الفنانة «ميس حرب» عن معنى هذه الخطوة بالنسبة لها تضيف: «هذا الحفل كان إضافة كبيرة في مسيرتي المتواضعة، فقد شعرت بمسؤوليّة وفخر معاً، فغناء فيروز مع المحافظة على إقناع الجمهور هو شيء من المغامرة، وبمعنى آخر أكثر شفافيّة، غناء فيروز هو صلاة أكثر منه غناء، هي تخاطُب مع الروح، ومع الإنسان، وهذا برأيي أصعب أنواع الفنون». أمّا عن فكرة استماع السيدة «فيروز» لأداء ميس أغانيها فتجيب: «ليس عندي أدنى فكرة عمّا إذا سمعت أغنيات الحفل أم لا، ولكن أتمنى يوماً ما إذا حدث وسمعتني أغني لها؛ أن تحبّ نفسها بي، وتبّتسم ابتسامة دافئة تبدي رضا وسعادة بما تسمعه».