هل نحن بحاجة إلى عصبة الساخرين الآن؟ .. نحن قادمون… مقاومون… منتصرون
| شمس الدين العجلاني
في التاريخ الأدبي السوري هنالك تجربة فريدة في النقد والتعبير عن الرأي اتبعها اثنا عشر أديباً وصحفياً من خلال تأسيسهم عصبة الساخرين بدمشق في شهر تشرين الأول من عام 1948م والتي كان أفرادها اثني عشر من جميع المناطق السورية.
قيل إن هدف هذه العصبة سياسي؟ وأنكر البعض أن يكون لها هدف سياسي.. إنما هي محاولة للبحث عن نوافذ لحرية التعبير، بأسلوب ساخر يضحك لهدف سام… ينقد الوضع السياسي والاجتماعي والثقافي بأسلوب مميز يتقنه أديب وصحفي ساخر مميز… في مواعيد منتظمة دورية أو من دون موعد كان يجتمع اثنا عشر أديباً وصحفياً سورياً تارة في مكتب مجلة الدنيا لصاحبها عبد الغني العطري، وتارة في مكتب جريدة النقاد لمؤسسها فوزي أمين، وأخرى في مقهى دمشقي كمقهى البرازيل أو على قارعة الطريق… يتسامرون.. يسخرون.. ينتقدون.. يؤلفون الحكومات الساخرة ويتوزعون المناصب فيما بينهم، لكل منهم رؤية وفكر وهدف ويجمعهم السخرية وعشق الوطن..
لماذا عصبة الساخرين؟
لماذا أنشئت عصبة السآخرين، يجيب شيخ الصحافة السورية وعضو عصبة الساخرين عباس الحامض إنها: «وليدة حاجة ماسة للتعبير عن الرأي بطريقة ساخرة لأن الساخر حكيم، يعتقد بعض الناس أن التهذيب يخونه. والواقع أنه حكيم مهذب صريح.. لا يعرف الالتواء، ولا يقر اللف والدوران –1950 م».
أما عضو العصبة عبد الرحمن أبو قوس فهو قد يكون حاداً أو فيلسوفاً في قوله: «عصبة الساخرين مجموعه من المهدمين الذين لم ترق لهم نظم المجتمع، ولا توزيع العدالتين السماوية والأرضية، ولم يرضوا في يوم من الأيام عن واحد ارتقى إلى أعلى السلم الاجتماعي، ولهذا جمعتهم الفكرة الموحدة.. إنهم ضعفاء، سلاحهم القلم واللسان، ومبدؤهم _ اصرف ما في الجيب يأتيك اللـه بما في جيب الغير».
مواهب الكيالي عضو عصبة الساخرين يرى أن مجتمعنا بحاجة إلى هذه العصبة لأنها مثل المشرط: «عصبة من الشباب بيدنا أقلام اردناها مشارط، ونعيش في مجتمع ما زلنا نؤمن بأنه مجتمع حي، ولكنه لا يستغني عن المشرط، وأنا شخصياً، كنت وما أزال، أحمل مجتمعي، بسخريتي إلى طاولة العمليات كشيء حي.. 1950».
وعضو عصبة الساخرين ممتاز الركابي يرى في عصبة الساخرين، الخلاص: «في استطاعة الذين ينتسبون إليها، أن يضعوا حداً لآلامهم الكثيرة متى راق لهم ذلك، ودون أن يستأذنوا إذا كان يحق لهم أن يستريحوا من المجتمع الغاضب المكشر أم لا..».
أحمد علوش وهو أيضاً عضو عصبة الساخرين يرى في العصبة تجديداً للحياة: «كل إنسان في هذه الدنيا أصبح يعتقد أن – الروتين – الذي يسيطر على كل شيء يتطلب منه أن يحيا حياة تختلف باختلاف الزمن، ولهذا أنشئت – عصبة الساخرين – ولأجل ذلك أنتسب إلى العصبة».
أما سعيد الجزائري وهو من الأعضاء المهمين في العصبة وهو لولب العصبة فيؤكد أن العصبة ليست جمعية أو مؤسسة: «ليست هذه العصبة مؤسسة أو جمعية، لها نظامها وأعرافها وتقاليدها، حتى يفسح المجال لكل من – تكدست – لديه شروط الانتساب لها أن ينتسب».
نسيب اختيار عضو عصبة الساخرين يتجاوز كل زملائه في أسباب تأسيس عصبة الساخرين: «الحياة في عرفهم وعرفي مهزلة، نحن واضعوها ونحن ممثلوها ونحن – النظارة -، ومع هذا فنحن نحب الحياة لأنها جديرة بالحب».
العصبة حزب سياسي
في مطلع الخمسينيات من القرن الماضي تداولت الجرائد السورية أن عصبة الساخرين سوف تتحول إلى حزب سياسي، وجاء في أحد أعداد جريدة النقاد مقالة مطولة جاء فيها: «تراود أعضاء – عصبة الساخرين – فكرة، ستكون قنبلة الموسم، كما يقولون – إذا تحققت! وهذه الفكرة، سترتعد لها فرائص السياسة في سورية والأحزاب السياسية فيها أيضاً، لأن مهزلة السياسة، ستتجسد على حقيقتها في حزب الساخرين! ولعل هذا الحزب سيكون أكبر حزب في البلاد، ونتوقع أن يكون كذلك، لأن السخر من السياسة لم يعد من الكماليات، بل أضحى من المستلزمات السياسية والطبيعية السائدة في المجتمع» وتمنى كاتب المقال: «أن ينشر على الشعب قريباً منهاج حزب الساخرين، إثر تقديم طلبه تأليف الحزب رسمياً إلى الجهات المسؤولة».
عصبة الساخرين وأعضاؤها يكررون دائماً أنهم عصبة ساخرة ليس لها في السياسة، وفي بيان تأسيس العصبة جاء: إن الصراع الأدبي في دمشق كان على أشده لسنوات بين «المجمع الأدبي» وبين «ندوة المأمون» الجمعيتين اللتين تألفتا للنهوض بالحياة الأدبية بألوانها كلها، من شعر ونثر ونقد وريبورتاج وقصة. وأشار البيان بتنافس الجمعيتين في ميادين الصحف والنشر، الذي قدم إلى المتأدبين وعشاق المطالعة فوائد حلوة ومقالات وبحوثاً ما زال الناس يذكرونها.
وعن أهداف «عصبة الساخرين» جاء في البيان: «نحن الآن في خدمة الحياة الفكرية، جماعة من الشبان، يسعدهم أنهم اجتمعوا ليعملوا مخلصين في ميدان الخيال، يستوحون الإلهام، ويغذون الأوهام، وفي ميدان النهضة يشدون الخطوات ليساهموا مع العلماء والمفكرين في خدمة العلم والفكر، لا نقول إننا وحدنا نحمل العبء الكبير ونستأثر برفع الرايات، إننا نعيب على غيرنا الاستئثار، وما نحب أن يطعننا أحد بالخنجر الذي في يدنا، وليس فينا مدع أو مغرور، فإن ميزتنا الأولى أن كل واحد من الاثني عشر يعرف حده، ولا ندعي الكمال، فالكمال لله وحده.».
وزارة الساخرين
نشط أعضاء عصبة الساخرين في الكتابة بالجرائد السورية في فترة الأربعينيات والخمسينيات من القرن الماضي، وكانت مجلة «الدنيا» وجريدة «النقاد» مرتعاً لهم، إضافة إلى مجلة «عصا الجنة» لصاحبها نشأة التغلبي ومجلتي «الراديو» و«الرقيب» لصاحبها عثمان شحرور. وكانوا يزينون مقالاتهم وقصائدهم الشعرية بـ «من عصبة الساخرين».
كان أعضاء العصبة اثني عشر عضواً، ولم يوافقوا على انتساب أحد إلى عصبتهم على الرغم من الطلبات والإلحاحات، الدائمة، وفي إحدى لقاءاتهم شكلوا حكومة «وهمية» وكانت مكونة من اثني عشر عضواً على النحو التالي: عبد السلام العجيلي رئيساً للوزراء، سعيد الجزائري وزيراً للداخلية أحمد عسه وزيراً للخارجية، عباس الحامض وزيراً للمالية، نسيب الاختيار وزيراً للعدلية، أحمد علوش وزيراً للدفاع، سعيد القضماني وزيراً للمعارف، عبد الغني العطري وزيراً للزراعة، مواهب الكيالي وزيراً للصحة، ممتاز الركابي وزيراً للشؤون الاجتماعية، عبد الرحمن أبو قوس وزيراً للأشغال العامة، حسيب الكيالي وزيراً للاقتصاد.
وانتهت العصبة وننتظر عصبة جديده:
لم تعمر (عصبة الساخرين) طويلاً، ورغم عمرها القصير فقد أحدثت دوياً في الوسط الثقافي السياسي السوري، وكانت تجربة متميزة في تاريخنا الأدبي نصبو أن تعاد، يقول عبد الغني العطري عن أسباب توقف العصبة: «كان عمر العصبة قصيراً كعمر الورد، إذ إن نشاط لولب العصبة، المرحوم سعيد الجزائري، فتر وبرد وأصيب بالصقيع، بعد أن بلغ درجة الغليان في فترة التأسيس. فقد كان في المرحلة الأولى يحث الأعضاء على النتاج والكتابة ليل نهار».
أمّا عبد السلام العجيلي فهو يرى: «أن السنوات القليلة التي عاشتها العصبة كانت حافلة بالنتاج الساخر ومثيرة للجدل، ما لبثت أن تبددت تحت تبدل الظروف والأحوال، فتوقفت عصبة الساخرين عن النشاط».
يبقى أن نذكر أن جميع أعضاء العصبة انتقلوا إلى رحمة اللـه تعالى وكان آخر من توفى منهم عميدهم عبد السلام العجلي عام 2006 م عن عمر ناهز 88 عام.
و الآن ألسنا بحاجة ماسة إلى عصبة الساخرين؟ ألسنا بحاجة إلى صحافة أيام زمان وصحفيي أيام زمان؟
ألسنا بحاجة إلى نصوح بابيل وعباس الحامض ونجيب الريس وو ألسنا في حاجة إلى كتابة افتتاحية تسقط في اليوم التالي الحكومة مثل أيام زمان!؟
لسنا ببعيدين عن عمالقة الصحافة السورية فهذا الثمر من تلك الأشجار..
والقلم يكتب والمطابع تدور والصحافة في مواجهة كل الأعاصير.. أيها القلم قاوم… أيها الحبر لا تجف بين أيدينا، الوطن بحاجة إليك… ونحن قادمون… مقاومون… منتصرون.