قضايا وآراء

صراع بين الليبرالية والليبرالية الجديدة

| دينا دخل الله

التصريحات الأخيرة التي أطلقها الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب فجرت مؤخراً صراعاً جديداً داخل الإستابلشمت الأميركي والمجتمع بشكل عام، فقد هاجم ترامب بشدة سياسات الرئيس الأميركي الحالي جو بايدن وإدارته حول تشجيع المثلية الجنسية وتدمير الأسرة وتشجيع التحول الجنسي حتى عند الأطفال وفي المدارس باعتبار ذلك يدخل في إطار حرية الفرد المطلقة.

ولا شك في أن بايدن يمثل تيار الليبرالية الجديدة الغالبة في صفوف الحزب الديمقراطي، وهو تيار لا تلاقي أفكاره قبولاً واسعاً في المجتمع الأميركي الذي اعتاد قيم الأسرة التقليدية، كان ترامب حاداً في هجومه لدرجة أنه وعد بمحاكمة بايدن وأتباعه إذا نجح في الانتخابات الرئاسية القادمة عام 2024، ويبدو أن الأمر أكبر من مجرد حرب كلامية لأغراض انتخابية.

عندما كان ترامب رئيساً حاول إعادة بناء الفلسفة المحافظة التقليدية للحزب الجمهوري، التي قضى عليها الرؤساء الجمهوريون السابقون بدءاً من رونالد ريغان وجورج بوش الأب وجورج بوش الابن الذين وقعوا تحت تأثير فلسفة المحافظين الجدد القريبة من آراء الحزب الديمقراطي في نشر الليبرالية الجديدة، مهمة ترامب في إعادة إحياء الليبرالية التقليدية تدعمها مشاعر أغلبية الأميركيين الذين مازالوا يتذكرون كتاب جون ديوي الشهير «الثورة المستمرة»، حيث ركز ديوي على القيم المجتمعية لليبرالية التقليدية وخاصة قيم الدين المسيحي والقيم الأخلاقية وتعزيز روابط الأسرة وتمتين علاقة الفرد بالمجتمع في إطار ما يسمى «الشمولية الأخلاقية»، التي ترفضها الليبرالية الجديدة جملة وتفصيلاً.

وبغض النظر عن مفاهيم الليبرالية التقليدية في المجال الاقتصادي، وهي مفاهيم سلبية وتركز على الفردية الاقتصادية، إلا أن مفاهيمها المجتمعية جيدة لأنها ترفض الانحلال الأخلاقي والتمزق الأسري والفردية المطلقة عند الليبرالية الجديدة، لقد حاول الباحث الاقتصادي ميلتون فريدمان سابقاً وتحاول اليوم «مدرسة شيكاغو»، التركيز على الفردية الاقتصادية، لكن يبدو أن مواجهة الليبرالية الجديدة تتسع باستمرار في أميركا وفي روسيا أيضاً، فالرئيس الروسي فلاديمير بوتين يردد دائماً نقده اللاذع لمفاهيم الليبرالية الجديدة، كما أنه عزز هذا النقد والرفض في تعديلات الدستور الروسي الأخيرة التي تضمنت مواد جديدة تؤكد أهمية القيم الدينية والروابط الأسرية والقيم الأخلاقية في المجتمع الروسي، جاعلاً من الدفاع عنها واجباً على الدولة بكل مؤسساتها.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن