من دفتر الوطن

كمعجزة

| حسن م. يوسف

لم يكن ما حدث يوم الإثنين الماضي مجرد مأساة سورية أخرى، بل كان مأساة كبرى توجت اثني عشر عاماً من المآسي السورية المتصلة. فالزلزال الذي أوقع خسائر كبرى في كل من محافظات حلب واللاذقية وحماة وطرطوس يعتبر أعنف زلزال يسجل في منطقتنا منذ أربعة وثمانين عاماً.

أعترف أنني شعرت بالغضب عندما كتب أحد الأصدقاء مقالاً بعنوان «رب ضارة نافعة»، لأن آلام الناس وصور الدمار كانت لا تحتمل حقاً، وما زاد من شعوري بالغيظ هو أن من كتب ذلك الكلام لم يكن على الأرض السورية لحظة وقوع الزلزال! لكن غضبي من هذا الكلام بدأ ينكمش مع مرور الوقت، بل بدأت مؤشرات الواقع تثبت أن فيه شيئاً من الصحة.

يعرف قارئي المتابع أنني أعشق سورية وأفتخر بانتمائي إليها تراباً وماء وهواء، لكنني رغم حبي للسوريين كنت أظن أن سنوات الحرب الظالمة قد أرهقت أرواحهم بعد أن أكلت مدخراتهم، لكن إخوتي السوريين فاجؤوني كما يفاجئني النرجس الذي يتجدد في مثل هذه الأيام من كل عام.

من المعروف أن الحرب التي شنتها الفاشية العالمية بالتعاون مع امتداداتها المحلية والإقليمية على الدولة السورية، طوال اثني عشر عاماً، قد استنزفت بنية البلد التحتية وقدرات المواطنين الاقتصادية، كما لعب الفساد دوراً متمماً لهذه الجريمة، مما جعل أكثر الناس تفاؤلاً يتوقع أن تلي كارثة الزلزال كارثة أخرى اقتصادية وإنسانية تفتك بمن نجوا وتجعل مصائبهم أكثر مرارة وقسوة ممن ماتوا، لكن الزلزال أطلق الطاقة الحيوية الكامنة في قلوب السوريين وأيقظ فيهم أنبل وأفضل صفاتهم. والحق أن ما قام به السوريون في الداخل والخارج يرقى لمستوى المعجزة. فقد استعادوا روح التضامن الإنساني بينهم، هذه الروح التي ظن كثيرون أنها كانت أولى ضحايا الحرب، فإذا بها تشع نبلاً وعطاء عبر المأساة لتكشف أن سورية من سلالة العنقاء التي لا تموت.

صحيح أن التحدي ما يزال في بدايته، فإذا ما تجاوزنا أحزان الموت، فسيكون علينا أن نواجه متاعب الحياة، فقد اضطر نصفُ سكان شمال غرب سورية، لإخلاء منازلهم، ومعظمهم بحاجة لمنازل جديدة.

نعم، نحن ممتنون لكل الأشقاء والأصدقاء الذين قدموا لنا يد المساعدة خلال الأيام السوداء الماضية، لكن لابد أن نندد بحالة النفاق التي تحكم معظم الدول، فقد تدفقت المساعدات وفرق الإنقاذ إلى تركيا، أضعافاً مضاعفة، رغم أن تركيا لا تعيش حالة كارثة مزدوجة مثلنا، مما يؤكد خضوع قرارات بعض الدول لقانون المنافقين: «من معه يعطى ويزاد، ومن ليس معه يؤخذ منه».

بين السلب والإيجاب كتب الكثير وسيكتب أكثر عن تداعيات وعقابيل هذا الزلزال المدمر، إلا أنني سأتوقف عند مقال واحد نشره شخص يدعى وائل الزيات في «جريدة واشنطن بوست» يوم الخميس الماضي، وقد قدَّمتْه الجريدة بوصفه «خبيراً في سياسة الشرق الأوسط لدى وزارة الخارجية الأميركية لمدة عشر سنوات، ومنسق لأنشطة الولايات المتحدة في الشمال السوري… إلخ

عَنْوَن ابن الأفعى وائل الزيات مقاله بما يلي: «لا ترفعوا العقوبات عن سورية من أجل مساعدة ضحايا الزلزال»، لكن يبدو أن هذا العنوان- الجريمة قد استفز بعض الأميركيين، فقام وائل الزيات، أو قامت جريدة واشنطن بوست، بتغيير العنوان ليصبح كما يلي: «رفع العقوبات عن سورية لن يساعد ضحايا الزلزال».

غير أن محرك البحث غوغول سجَّلَ هذه الفضيحة، فإذا كتبت العنوان الأصلي الإجرامي للمقال سيقودك محرك البحث إلى المقال الذي يحمل العنوان المعدل!

باسم كل من استشهدوا تحت الركام وعاشوا لحظاتهم الأخيرة في البرد والظلام أقول للكائن الزاحف السام وائل الزيات:…

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن