في كتابه «Never Give An Inch» الذي صدر في الـ24 من كانون الثاني 2023، تحدث وزير الخارجية الأميركي السابق مايك بومبيو الذي كان يشغل قبلاً منصب مدير وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية، عن عملية اغتيال قائد فيلق القدس اللواء قاسم سليماني، مؤكداً أنه كان يقوم بمتابعته حتى قبل أن يترأس وكالة المخابرات المركزية، وأنه هو من اقترح على الرئيس الأميركي دونالد ترامب اغتياله باعتباره هدفاً عسكرياً مشروعاً، مُطلعاً هو ووزير الدفاع الأميركي مارك إسبر ورئيس الأركان مارك ميلي، ترامب على خطة الاغتيال، مشيراً إلى أن الرئيس الأميركي ترامب أبلغ إسرائيل وحلفاء الولايات المتحدة في الخليج العربي بالعملية!
في كتابه هذا، أورد بومبيو حديثاً جرى بينه وبين رئيس الوزراء العراقي الأسبق حيدر العبادي في قصره عام 2017، سائلاً العبادي، إذا قدمت الولايات المتحدة الأميركية دعماً مالياً للعراق، هل يوقف العراق استيراد الكهرباء من إيران؟ وإلا سيتعرض العراق لخطر العقوبات الأميركية على شبكته الكهربائية الوطنية، بومبيو يقول: إن رئيس الوزراء العبادي نظر إليه بمنتهى الجدية، قائلاً: «السيد المدير، عندما تغادر سيأتي قاسم سليماني ليراني، ربما تأخذ مني أموالي، لكنه سيأخذ حياتي نفسها».
تحالف النصر برئاسة حيدر العبادي، قال في بيان له: إن «التحالف ينفي ما قاله بومبيو من إساءة بحق العبادي»، مؤكداً أن «ادعاءات بومبيو التي نقلها عن العبادي محض افتراء، وأدنى مراجعة للتاريخ يثبت بطلانها»، موضحاً أنه في عام 2017 لم تكن هناك أي عقوبات في الجانب المالي لتجهيز الكهرباء من إيران، وأن العقوبات لم تفرض إلا في نهاية عام 2018 «فكيف طلب بومبيو ذلك والعقوبات لم تكن موجودة أصلاً، فضلاً عن أن بومبيو لم يزر العراق في 2017 وإنما بداية عام 2019 فما ذكره مخالف للحقائق ولسير الأحداث، وما وصفه محض أكاذيب».
وزارة الخارجية العراقية، من جانبها نفت أيضاً في بيان لها في الـ30 من كانون الثاني 2023 «ما تمَّ تداوله بشأن زيارة وزير خارجيَّة الولايات المتحدة الأميركية الأسبق، مايك بومبيو إلى بغداد خلال العام 2017، وعدم لقائه برئيس مجلس الوزراء الأسبق حيدر العبادي».
القادة الأميركيون والسياسات الأميركية المتبعة هي أنموذج للافتراء والكذب الوقح المدمر. كالحرب على العراق وتدميره الذي بُني على كذبة، روجتها إدارة جورج دبليو بوش، بحصول العراق على اليورانيوم من النيجر، وبأن العراق لديه مختبرات جرثومية سرية داخل مقطورات سيارة تتنقل بين الأحياء داخل المدن، ومنشآت أسلحة للتدمير الشامل موزعة في جميع أنحاء العراق.
وزير الخارجية الأميركي آنذاك كولن باول قدم لمجلس الأمن الدولي في الـ5 من شباط 2003، تسجيلات صوتية، وصوراً لأقمار صناعية، وشهادات لشهود عيان ووثائق، ادعى أنها أدلة وحقائق تستند إلى معلومات استخبارية أميركية موثوقة، تؤكد امتلاك العراق أسلحة دمار شامل كيميائية وبيولوجية، لتبرير غزو بلاده للعراق، رافعاً بيده بشكل مسرحي أنبوباً، قائلاً: إن فيه «مسحوق الجمرة الخبيثة» التي ينتجها العراق القادرة على قتل العشرات من آلاف البشر.
العراق دُمر واحتل، ولم تثبت صحة أيٍّ من تلك الادعاءات، بل أثبتت كذبها، فالقوات الأميركية وبعد دخولها إلى العراق لم تعثر على أسلحة الدمار الشامل، وكولن باول بعد مغادرته منصبه وصف أوائل عام 2005 كلمته أمام مجلس الأمن حول العراق، بأنها «وصمة عار» ستبقى في سجله إلى الأبد، ومع كل ذلك لم يخجل الأميركيون من كذبتهم، ولم يقدموا أي اعتذار للعراقيين، بل لم يبدو أي ندم على جريمة غزو العراق.
أميركا مستمرة في أكاذيبها لتنفيذ مخططاتها العدوانية التدميرية لدول المنطقة الرافضة لسياسة الهيمنة والتبعية لها، وهي لا يهمها إن كان كذبها مفضوحاً أو بلا أدلة منطقية، لأنها تعلم أن الدول التابعة لها وعملاءها في فرنسا وبريطانيا وألمانيا وإسرائيل وبعض الخليجيين سينضمون إلى جوقة الكذب التي تديرها.
أميركا رجعت لعادتها القديمة هذه الأيام، في قيادة حملة كذب وتضليل مركزة على سورية، متهمة جيشها بامتلاك واستخدام أسلحة كيميائية في المناطق التي كانت تحت سيطرة من تسميهم «معارضة» و«ثواراً»، مستحضرة كذبة كولن باول بعرض صور وأفلام وشهادات كاذبة كتبتها فرق تحقيق تابعة لمنظمة حظر الأسلحة الكيميائية، إحدى أدواتها في الكذب والتضليل، معتمدة على شهادات إرهابيين من «الخوذ البيضاء» أهم أذرع جبهة النصرة الإعلامية العاملة تحت ستار العمل الإغاثي التي هُرّب نحو 800 فرد منها مع عائلاتهم إلى إسرائيل ليلاً، عندما شرع الجيش العربي السوري بعملية استعادة محافظة درعا من المسلحين والإرهابيين، ومن ثم نقلوا إلى الأردن في الـ22 من تموز 2018 لتوطينهم في الدول التي جندتهم.
«حليمة ما تبطل عادتها القديمة»