إنها الولايات المتحدة الأميركية ذاتها، من حيث كونها سابقاً وحاضراً وستبقى مستقبلاً، بؤرة الشر سيئة الذكر، والعدوة اللدودة للإنسانية، ومبتكرة الكيل والمعيار بما لا يحصى من المكاييل والمعايير الخبيثة، خدمة لإستراتيجيتها الامبريالية التي فاقت مضامينها كل معاني الرأسمالية المتوحشة والغطرسة الهمجية ومنطق القوة والإجرام والفوقية والاستعلاء والابتزاز والاستهتار والتنمر والنفاق السياسي والفكر الشرير المضلل، والتي تلحق جميعها بالغ الأذيات بالبشرية جمعاء وبالحياة الإنسانية على هذا الكوكب.
الزلزال الرهيب الذي ضرب الأرض السورية، جاء ليصبّ زيته على نار الحصار الأميركي الآثم وتداعياته اللاإنسانية على حياة السوريين، وعلى التراث الحضاري السوري، وبشكل خاص من خلال عرقلة «قانون قيصر» الأميركي سيئ الذكر، للجهود المبذولة لإغاثة ضحايا الزلزال وعرقلة وصول المعدات الثقيلة الكفيلة بالإسراع في إخراج المزيد من الناجين من تحت الأنقاض، ما يعني من حيث النتيجة أن الموقف الأميركي الحاقد على الشعب السوري جاء مسانداً لمضاعفة عدد الضحايا من العائلات السورية، في حين باتت سورية التي تعيش محنة كبرى بأمس الحاجة لاستنفارٍ عربي اقتصر حتى اللحظة على بعض الأشقاء كانت الجزائر والعراق في مقدمتهم وإلى جانبهم إيران، ولاستنفارٍ دوليٍ مؤثر كان في مقدمته أصدقاء سورية الحقيقيون روسيا والصين والهند والباكستان وفنزويلا وغيرهم، في حين أحجم البعض الباقي من البلدان العربية المتأمركة نظمها السياسية عن القيام بواجبهم الأخوي الذي يتجاوز كل القضايا السياسية الخلافية، كما أحجمت البلدان الأوروبية والأجنبية الواقعة تحت التأثير الأميركي عن واجبها الإنساني جراء تبعيتها وخضوعها لسيدها الأميركي.
هذا في وقتٍ أكد فيه المبعوث الأممي إلى سورية غير بيدرسون على ضرورة ألا تكون هناك أي عوائق سياسية تحول دون وصول المساعدات إلى من هم بحاجة إليها من المناطق السورية المتضررة من الزلزال، وألا تكون الاستجابة الإغاثية مسيسة، وخاصة الحاجة الملحة في سورية للمساعدات الكفيلة بإنقاذ المدنيين وعدم النظر بمسألة الحدود».
هنا وعلى ضوء ما تقدم، تكمن المفارقة والتباين بين مواقف من هو شقيق وصديق، وبين مواقف من هو غير شقيق ويدعي ذلك بعد أن نزع قناع الحياء عن وجهه الحقيقي، وعدوٍ استمرأ المضي في حقده ونفاقه وكذبه وفي طرحه شعاراتٍ تتناقض في مضمونها مع أبسط ميثاق حقوق الإنسان والشرائع المتصلة به.
في إطار هذا الواقع الراهن ومخرجاته باتت الآن وأكثر من أي وقت مضى، ضرورة قصوى لم تعد تحتمل أي تأجيل لطرح توصيف منطقي لمن هو الصديق الصادق والصدوق، ومن هو العدو المجرم الحقود، ولتتحدد العلاقات السياسية والاقتصادية والعسكرية والثقافية وغيرها مع كل منهما حسب جميع مواقفهما التي أثبتتها الكارثة الإنسانية التي يعيشها بلدنا وشعبنا الآن، وليتم العمل على قطع العلاقات مع كل من يسهم في ضرب مصالح سورية المشروعة من دون الأخذ بأي اعتبارات باتت مجرد «شقشقات لسان» لا تثمر ولا تغني عن جوع بقدر ما تؤدي إلى تفقير شعبنا وتجويعه، وليتم العمل بكل جدية وسرعة لتطوير أفق مجمل العلاقات ودفعها إلى الأمام مع الأشقاء الحقيقيين وفي المقدمة منهم الجزائر والعراق وإيران، ومع الأصدقاء الحقيقيين وفي المقدمة منهم روسيا والصين وفنزويلا والهند وباكستان.
كما تستدعي الضرورة توسيع إطار الاتفاقيات المبرمة مع تلك البلدان الشقيقة والصديقة وخاصة مع دول البريكس ومنظمة شنغهاي والاتحاد الأوراسي وجميع أصدقاء سورية في أميركا اللاتينية والقارة الإفريقية وإبرام اتفاقياتٍ جديدة تحقق الشراكة والتعاون الإستراتيجي، لما فيه ضمان وحماية المصالح المشتركة لجميع «الأشقاء والأصدقاء» الحقيقيين، ولتكن كارثة الزلزال مدخلاً لتلك الشراكة الإستراتيجية والتعاون الإستراتيجي ولخلاص شعبنا ووطننا السوري.