أسبوع كامل مرَّ على الكارثة الجديدة التي ضربت سورية بقوة، ومازال الحزن والألم يخيمان على السوريين المنتشرين في شتى بقاع الأرض، ومازالت مشاهد الدمار الهائل تمتزج مع كل هذا الجهد الخرافي الذي بذله أبناء هذا البلد لتكتمل صورة الحب والتآخي اللذين يتمتع بهما شعبنا الطيب الأبي الصامد.
أظهرت الفاجعة من جديد معدن السوريين الذين لم يبخلوا بالجهد والعمل ولا بالمال لتخفيف المعاناة وآثار المصيبة الجديدة التي اختارت عنوان سورية، ومعها الجارة التركية، فكانت صورة رائعة لشغف سورية والسوريين في عشق الحياة والعمل من أجل الإنسان والقيمة الإنسانية للبشر.
تقشعر الأبدان عندما تخرج طفلة من تحت الأنقاض وهي تضحك، أو طفل رضيع صمد ساعات طويلة تحت ركام إسمنتي مسلح، وتنبض القلوب في الصدور عندما تسمع أن هناك من تبرع بكل ما يملك حتى الراتب التقاعدي الذي يساوي الملايين بالنسبة لأصحاب المال والجاه الذين تهربوا حتى من دفع مبلغ من المال لمساعدة المنكوبين.
صور متناقضة جداً بين ناس وناس، بين من دفع دمه رخيصاً في سبيل وطنه، وبين من بخل بحفنة من مال لمداواة ضحايا الزلزال.
بين دول سارعت إلى التضامن وتقديم المعونة بسرعة كبيرة وكسرت الحصار وتحدت العقوبات ومن فرضها ظلماً على الشعب السوري، وبين من تقاعس وبرر عدم تقديم العون للسوريين بأن هناك «قانوناً» أميركياً يحول دون ذلك، وضرب عرض الحائط بالقانون الإنساني وقوانين الأخوة بين أفراد الشعب العربي في دول العرب كافة، بل هناك من لم يكلف خاطره بإرسال برقية عزاء لا تكلفه سوى بضعة حروف لمجرد المجاملة ورفع العتب!.
الكارثة أظهرت السالب والموجب في سورية أولاً، وعلى الساحتين العربية والدولية ثانياً، وإذا كنا عبّرنا عن استيائنا وسخطنا من السالب الذي أعلن نفسه دون خجل، فإن ما يثلج القلب ذلك الموجب الذي أظهره شعبنا المجروح والصامد الذي تعالى عن كل شيء وهب هبة رجل واحد للمساهمة في كل ما من شأنه التخفيف من هول الكارثة من خلال العمل على إزالة الركام أو من خلال التبرع بالمال والطعام والشراب والمأوى للمنكوبين، بل إن العديد من المواطنين فتحوا منازلهم لاستقبال أسرة أو أكثر وتقاسم لقمة الخبز معها، في لفتة إنسانية راقية تذكرنا بما قدمه السوريون لأشقائهم العرب الذين التجؤوا إليها عندما ألمت بهم المصائب.
الموجب أن أشقاء لنا أثبتوا أنهم نعم الأشقاء، فجاءت هبة العراق بحجم علاقات الأخوة والمحبة والدم التي تربط الشعبين على مدى التاريخ، وأثبتت الجزائر أنها بلد النضال وبلد النخوة، فتعاطفها وموقفها لا يمكن لسورية نسيانهما، ولا ننسى الإمارات وتونس ومصر ولبنان وإيران، وعلينا التوقف قليلاً ونحن نذكر فنزويلا التي أرادت المساهمة في تخفيف آثار النكبة فأرسلت مساعدات ولو كانت رحلة الطائرات تستغرق أكثر من اثنتي عشرة ساعة كي تصل.
كل ذلك يجعلنا نؤكد أن الإنسانية كل لا يتجزأ، وأن من برر تقصيره لأسباب سياسية لا علاقة له بالإنسانية، فخلال النكبات تزول كل الحواجز السياسية والخلافات في الحكومات والحكام، وهذا لم يحدث خلال هذه الأزمة مع وجود استثناءات قليلة.
كانت كارثة الزلزال بمنزلة اختبار جديد للإنسان في كل مكان، فنجح السوري في هذه الامتحان بامتياز ومرتبة الشرف، وسقط من سقط غير مأسوف عليه.
كل التحية لشعبنا الذي أعطى مثالاً يحتذى في الغيرية والمحبة والبذل في سبيل الإنسان والحياة والحب.