ثمة مقولة اقتصادية «خزينة الدولة جيوب رعاياها» والمقصود بهذه المقولة أنه ليس من الضرورة أن تكون خزينة الدولة ملآى فقط بل الأهم من ذلك أن يكون مواطنوها أغنياء.
اليوم مع هذه الأزمة يظهر السوريون أن ثروتهم الحقيقية مدى ما يملكونه من تعاطف وتعاون.
سورية الآن غنية بمحبة ناسها وبسخاء مواطنيها وبهذه القلوب اللينة التي تشعر بآلامها.
السوريون يزهرون دوماً.. لكنهم يثمرون في أيام المعاناة والألم.. يثمرون في الشتاءات القاسية والنكبات المؤلمة.. يثمرون حباً وعطاء.
في سنوات مرت ساور الكثير منا الشك بأنفسهم وأصبحنا نتساءل: من أين خرج هذا السواد من السوريين.. اليوم نكتشف حقيقة جمال السوريين وبياض أرواحهم وصدق نياتهم ومتانة وطنيتهم.
ليس تعصباً ولا تطرفاً أن في السوري خزائن جمال وعطاء ومحبة وإبداع، ومن العدل أن نعيد صورة السوري إلى ما كانت عليه من الجمال والإباء والوطنية.
إذا ما قال أي سوري الآن إنه فخور بسوريته فإن سورية تستحق هذا الفخر بناسها قبل أي شيء آخر.
ولكن.. ودوماً كما في كل لكن ثمة أشياء يجب أن تقال بكثير من الصراحة.
الاعتماد على الاندفاع الشعبي وحماسة الناس في هذه المرحلة لابد أن يكون بحذر شديد.. فلاشك أن أوجاع الناس كثيرة ورغم أن نحو 90 بالمئة من السوريين فقراء، فقد أثبتوا أنهم كرماء.. لكن من الواقعية أن ندرك أن إمكانات الناس محدودة وفي لحظة ما سيعود الناس إلى أوجاعهم ومشاكلهم ويخف الاهتمام بأوجاع الآخرين، لهذا من المهم أن نعمل على «مأسسة» العطاء السوري وأن يتحول إلى عمل مؤسساتي منظم وعملي وأن يكون فيه منطق الاستدامة.
وهذه الحماسة التي رأيناها من قيام أشخاص أو مجموعة قليلة من الأشخاص بعمل إغاثي ظاهرة إيجابية وتستحق الاحترام والتصفيق، لكن من المهم أن ندرك أن ذلك ليس عملاً مؤثراً بصورة كبيرة.
ومن المفيد جداً أن تكون هذه المبادرات المبعثرة هنا وهناك في مؤسسات موثوقة ولديها آليات عمل واضحة وتقاليد في العمل الإغاثي والخيري.
والذين يجيدون التقاط الصور والاحتفاء بأعمالهم الخيرية على قلتهم إنما يقدمون صورة غير جميلة عن عمل الخير الذي من المفترض ألا تعلم اليد اليسرى ما أنفقته اليد اليمنى.
الشيء المؤلم تشكيك البعض بمصائر المساعدات وبظني أن الذين أشاعوا ذلك هم من أولئك الذين وصفهم القرآن الكريم بالذين يحبون أن تشيع الفاحشة فهم لا يريدون المساهمة بلملمة الأوجاع ويريدون من الآخرين ألا يفعلوا الخير والواجب تجاه مجتمعهم والشيء المطمئن أن هذه الأصوات بدأت تخرس شيئاً فشيئاً.
نقطة أخيرة أود التذكير بأن ما سموا أنفسهم أصدقاء الشعب السوري في بدايات الحرب على سورية أحجموا عن مساعدة الشعب السوري وتخلوا عن «صداقتهم» والعواصم التي استضافت اجتماعات الصداقة لم تأت منها المساعدات ولا حتى تعازي المجاملة.. لعل الزلزال جاء ليكون نقطة النهاية في أوهام عاش بها البعض سنوات كثيرة.. ربما يكون هذا الزلزال بداية الاستقرار مجددا في سورية.
أقوال:
• صنائع المعروف تقي مصارع السوء وصدقة السر تطفئ غضب الرب. «حديث شريف»
• مد يدك إلى من يسقط.
• إذا صنعت معروفاً فاستره وإذا وصنع معك فانشره.