في وقت متأخر من مساء الخامس من شباط الجاري، وصل إلى بغداد وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف على رأس وفد كبير رفيع المستوى «دبلوماسياً واقتصادياً واستثمارياً»، ضم «شركات متعددة نفطية غازية، إضافة إلى شركات في مختلف القطاعات»، برفقة «أكثر من 25 جهة إعلامية روسية»، في زيارة رسميَّة التقى خلالها الرئاسات الثلاث، إضافة إلى نظيره وزير الخارجية فؤاد حسين.
الزيارة جاءت لتجديد العلاقات الثنائية بين البلدين عقب اتصال هاتفي كان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين قد أجراه منذ نحو شهرين مع كل من رئيس الجمهورية عبد اللطيف رشيد ورئيس الوزراء محمد شياع السوداني، وهي بحسب بيان المتحدث باسم وزارة الخارجية العراقية أحمد الصحاف «تأتي في سياق تأكيد انفتاح العراق على جميع شركائه وأصدقائه وأهمية العلاقات الإستراتيجية مع الجانب الروسي في ظل تعزيز الجذب الاستثماري والاقتصادي ولاسيما ما يتعلق بملفات الطاقة»، ولبحث «أهم التطورات على مستوى المنطقة»، وخاصة أن «العلاقة مع الجانب الروسي أساسية وإستراتيجية متعددة المصالح».
لافروف أكد خلال الزيارة «دعم بلاده للعراق، ورغبتها الجادة في تعزيز العلاقات بين البلدين وتوسيع أطر التعاون في المجالات الاقتصادية والعسكرية وتأهيل البنى التحتية»، و«إدامة العلاقات الثنائية بين البلدين وتطويرها في مجالات متعدّدة»، مؤكداً حرص روسيا «على أمن العراق واستقراره»، مشيداً «بجهود العراق في محاربة الإرهاب، ودوره الريادي في تخفيف التوترات بالمنطقة».
وزير الخارجية فؤاد حسين خالف البروتوكول الدبلوماسي الدولي في استقبال الوزير الروسي سيرغي لافروف في بغداد مرسلاً أحد أعضاء لجنة العلاقات الخارجية النيابية لاستقباله، في تصرف غريب بدا متعمداً في محاولة لإفشال الزيارة والتقليل من أهميتها!
فؤاد حسين، قال خلال المؤتمر الصحفي المشترك مع نظيره الروسي: «درسنا كيفية التعامل مع المستحقات المالية للشركات الروسية في العراق»، مشيراً إلى أن «بعض هذه الشركات لديها مستحقات على الجانب العراقي»، وأنه «سيكون لدينا زيارة إلى واشنطن الأربعاء المقبل (8 شباط 2023) وسنبحث التعاون مع الشركات الروسية»!
وزير الخارجية الروسي لافروف، أكد في المؤتمر الصحفي، أن «بغداد تدرس فرص سداد ديونها لشركات النفط والغاز العاملة في العراق بالدينار»، وبشأن الموقف الروسي من القضية الكردية، قال لافروف: إن «الولايات المتحدة الأميركية تلعب بالنار مع سكان المناطق الحدودية التي يقطنها الأكراد، وتزكي نزعاتهم الانفصالية».
روسيا تمتلك علاقات تعاون قديمة مع العراق في كل المجالات، وكانت على الدوام داعمة للسياسة العراقية، فقبل الغزو الأميركي للعراق كان حجم التبادل الاقتصادي بين البلدين نحو 7.73 مليارات دولار، في ظل وجود 39 شركة روسية عاملة في العراق.
موقف روسيا المعارض للغزو الأميركي للعراق عام 2003، تسبب بخسارة مكانتها الاقتصادية في العراق، متسبباً في تكبد الشركات الروسية خسائر كبيرة، وفي انخفاض التبادل التجاري بين البلدين ليصل إلى 252 مليون دولار. ومع ذلك ألغت روسيا في العام 2008، ديون العراق المستحقة لها التي تعود للحقبة السوفييتية البالغة 12.9 مليار دولار، وعندما احتاج العراق إلى أسلحة ومعدات عسكرية فورية لمحاربة تنظيم داعش في عام 2014، بعد أن ماطلت واشنطن في تسليم الذخائر والمعدات العسكرية التي كان العراق قد سدد أثمانها مسبقاً، جهزت روسيا العراق بمساعدات عسكرية بلغت قيمتها حوالى 1.7 مليار دولار أميركي، وفي العام 2017، أقرضت شركة الطاقة الروسية العملاقة «روسنفت» حكومة إقليم كردستان 3.5 مليارات دولار، ما كان بمنزلة شريان الحياة لحكومة الإقليم، كما لم تمانع روسيا تزويد العراق بنظام الدفاع الصاروخي «إس-300»، أو الأكثر تقدماً «إس-400» بعد جريمة اغتيال القائدين أبو مهدي المهندس وقاسم سليماني، التي حالت الضغوط الأميركية دون تحقيقها، وبالتالي فإن تعمد وزير الخارجية بعدم استقبال نظيره الروسي شخصياً وتصريحه بشأن التوجه لأميركا للحديث معها حول التعاون مع روسيا موقف مخزٍ.
حكومة رئيس الوزراء محمد شياع السوداني، اتخذت قرار الانفتاح على جميع دول العالم وعدم الانحياز لأي محور. والتفريط بحليف مثل روسيا في ظل الضغوط الأميركية التي يتعرض لها العراق كلما أبرم مذكرات تفاهم مع شركات روسية أو صينية، خطأ كبير، إذ على الحكومة العراقية استثمار نقاط القوة التي يمتلكها العراق بتمتين العلاقة مع روسيا لمنع استمرار فرض سياسة الهيمنة الأميركية عليه.
فؤاد حسين تعامل مع زيارة لافروف، كممثل لسياسة حزبه الديمقراطي الكردستاني، وبدا كأنه وزير لخارجية إقليم كردستان وليس العراق، محاولاً إفشال الزيارة عن عمد، لكونها لا تلبي التطلعات البارزانية، لخلو برنامج لافروف من زيارة إقليم كردستان.
العراق بأمس الحاجة لمثل زيارات كهذه لاستخدامها كأوراق ضغط للحد من سياسة فرض الإرادات التي تتعامل بها أميركا معه، والتصرف المتعمد لوزير الخارجية فؤاد حسين، سلوك معيب لن يمر مرور الكرام.