«الجرح هو المكان الذي ينفذ منه النور إلى داخلك».
عندما قرأت مقولة المتصوف الشاعر جلال الدين الرومي، هذه، لأول مرة، أدهشتني بشاعريتها الجميلة، وبراءتها البعيدة كلياً عن الواقع، إلا أن الفزعة الوطنية التي تشهدها سورية منذ وقوع زلزال الإثنين الرهيب، جعل عبارة الرومي المفرطة في التجريد، تتحول إلى عبارة مفرطة في الواقعية أيضاً، فقد نفذ النور إلى أرواح السوريين عبر الجراح بالفعل!
يقولون إن قوة الزلزال الذي ضرب منطقتنا فاقت قوة 500 قنبلة نووية، وتشير تصريحات الأمم المتحدة، إلى أن عدد السوريين الذين تأثروا بالزلزال هو خمسة ملايين ونصف المليون.
يحز في النفس أن الغرب الذي صرعنا بالحديث عن الإنسان وحقوقه، قام بالتمييز بين ضحايا الزلزال، ففي حين تدفقت المساعدات وفرق الإنقاذ الغربية إلى تركيا، لم يلتفت الغرب لضحايانا، محاولاً تبرير موقفه الوحشي هذا، بجعل بعض من ضيعوا بوصلتهم الوطنية من (السوريين) في الخارج، يحرضون المجتمع الدولي على الامتناع عن تقديم أي مساعدات للدولة السورية بحجج ممارسات مختلفة بعضها محدود الانتشار، وكثير منها تافه ولا أساس له!
عندما بدأ نظام الكتابة الصيني في الألفية الثانية قبل الميلاد، كانت أغلبية الكلمات أحادية المقطع، لكن مع التطور ومرور الزمن، أصبحت أغلبية الكلمات في اللغة الصينية الحديثة مركَّبة من كلمتين أو أكثر. وأصبحت كلمة «حرب « مكونة من كلمتي «أزمة» و«فرصة».
لا شك أن الحرب التي أعلنتها الفاشية علينا ثم توجتها الطبيعة بزلزال رهيب، هي أزمة كبرى، لكنها فرصة لنا كسوريين كي نلتفت لمصلحتنا الوطنية العليا، علَّنا نعقد مؤتمر إجماع وطني نطالب فيه المجتمع الدولي على قلب رجل واحد بأن يوقف حربه القذرة على أرضنا السورية.
بعض الناس يريدون نسيان ما جرى وأنا أفهم رغبة هؤلاء بأن يرتاحوا بعد كل هذه السنوات من الآلام والمعاناة، لكنني لا أتفق معهم، فنسيان ما جرى قد يكون سبباً في تكراره، لذا يتوجب علينا أن نؤسس مراكز أبحاث تضم أنضج وأنظف العقول، لدراسة مأساتنا السورية بغية استنباط أكثر الحلول جذرية لمنع تكرارها.
لست أطالب الجهات المعنية بأن تطلب العون من رجال الأعمال السوريين الناجحين في الخارج، فأي عون مادي يزول مع الوقت، مهما بلغ، بل أطالب الجهات المعنية بإعطاء الفرصة لكل رجال الأعمال والنابغين السوريين كي يستثمروا في الأزمة الراهنة ويحولوها إلى فرصة لهم ولوطنهم.
صحيح أن الزلزال الرهيب قتل وجرح، وشرد كثيرين، كما فضح هشاشة بنيتنا التحتية، لكنه أتاح ولا يزال يتيح لنا فرصة ذهبية كي نحول فزعة النخوة الفريدة التي شهدتها وتشهدها سورية، إلى منهاج عمل في شتى مجالات الحياة. وقد كتب الدكتور جعفر محسن الخير عميد كلية المعلوماتية في جامعة تشرين وصفة تضمن نجاح هذا المنهاج:
«لا إتاوات، لا خُوَّات، لا شراكة بقوة المنصب في الأعمال، لا تمييز بين من هم «جماعتنا» وباقي الناس في إطلاق الأعمال وبناء البلد، إلا بالعمل الوطني النافع للسوريين».
أومن أن السوريين، في حال توافرت لهم شروط العمل النظيفة والإيجابية، قادرون أن ينهضوا بسورية لتصبح في طليعة دول المنطقة خلال أقل من عشر سنوات. صحيح أن هذا التحدي صعب، لكن تجارب الشعوب علمتنا أنه «حيث توجد الإرادة، يوجد الطريق».