إذا كان 94 عضوا من أعضاء كنيست الكيان الإسرائيلي من مجموع 120 عضواً قد صوتوا في 15 شباط الجاري لمصلحة قانون يتيح إبعاد الفلسطينيين الموجودين في الأراضي المحتلة منذ عام 1948 ولم يرفضه سوى عشرة أعضاء فقط وهم من أعضاء الكنيست العرب ويقضي هذا القانون الذي لم يسبق لأي مستعمر أن اتخذه بإبعاد أي فرد يتلقى مساعدة مالية من الخارج أو يقوم بأي عمل يخالف سياسة الدولة.
ولم يكتف الكيان بهذا القانون بل سرعان ما انتقل إلى التصويت على قانون يقضي بإبعاد عائلة أي فرد تعرب عن تأييدها له فيما قام به ضد الدولة أو تكون على معرفة بما كان سيقوم به ولم تبلغ عنه لسلطات الاحتلال وتمت الموافقة عليه بالقراءة الأولى، فهل هناك خلاف بين كل أحزاب هذا الكيان حول ضرورة التخلص من وجود الفلسطينيين فوق أرضهم بجميع أشكال القتل والاعتقال والإبعاد وسن قوانين لتحقيق هذه الغاية؟
يرى إسحاق ليبانون وهو من تولى مناصب سياسية كسفير للكيان الإسرائيلي في دول منها مصر في مقال نشره في 16 شباط الجاري في صحيفة معاريف: «لقد آن الأوان لإيجاد حل يجتث من الجذور هذه الأعمال المسلحة التي يقوم بها الفلسطينيون ضدنا فلا ينبغي علينا التسليم باستمرار هذه العمليات التي تزداد وتتصاعد بل يجب علينا أن نقوم بكل ما في وسعنا من أجل إنهائها».
ويقر ليبانون بأن قيادة الجيش والأمن «لم تنجح في مهامها طوال سنوات كثيرة وبقي الخطاب المعتاد عند الفلسطينيين يعبر عن كراهية لم تتوقف منذ عام 1948 فما زلنا بنظرهم كياناً أجنبياً يريدون استئصاله ولا تزال فلسطين بنظرهم لهم وحدهم».
وانتقد ليبانون تصريحا أعلن فيه قبل أيام رئيس وكالة المخابرات المركزية (سي إي إي) ذكر فيه عن قرب اندلاع انتفاضة فلسطينية ثالثة ووصف هذا التصريح بغير المناسب وليس في مكانه لأنه بنظر ليبانون أعطى الفلسطينيين تشجيعاً على أن هناك من يخاف من انتفاضة ثالثة، وقال إن الأفضل له لو ذكر هذه العبارة داخل مكتبه وليس علناً. وطالب ليبانون مراكز الأبحاث في الكيان بإعداد دراسات تضع حلولاً جذرية فعالة لإنهاء أي انتفاضة متصاعدة في الضفة الغربية. ويبدو أن هذا الذعر الذي يشعر به قادة الكيان الإسرائيلي من فاعليات المقاومة المتصاعدة في فلسطين جاء بسبب امتداد هذه الانتفاضة إلى الفلسطينيين الموجودين داخل سلطة الكيان في الأراضي المحتلة منذ عام 1948 وبلوغها درجة تهدد معظم المدن التي يقيم فيها الإسرائيليون مثل حيفا وعكا وقرب منطقة الجليل والمثلث وجنوب البلاد عند بئر السبع. وهذا ما جعل قادة الكيان يخططون إلى فرض سياسة تؤدي إلى إبعاد أي عدد من الفلسطينيين من داخل الكيان إلى الضفة الغربية بتهمة مخالفة قوانين الدولة.
وهذا يعني أن الملايين السبعة من الفلسطينيين الذين يعيشون في وطنهم المحتل أصبحوا محاصرين في هذه الظروف من جيش احتلال وجيش مستوطنين مسلحين داخل فلسطين وعند حدود قطاع غزة وهذا الوضع بدأ في الواقع يرتد على الإسرائيليين أنفسهم لأنهم يتعرضون إلى مقاومة في كل شارع ومدينة وهو ما لم تعده بهم الحركة الصهيونية التي عجزت هي وكل دول الغرب عن توفير الأمن لهم في الأراضي المحتلة طوال 75 عاماً تناقص خلالها عددهم وأصبح ما يزيد على مليونين من الذين استوطنوا في مراحل سابقة خارج الكيان بعد أن غادروا وباتوا يعيشون في أوطانهم التي جيء بهم منها. وهذه الحقيقة يعززها وضع خارجي بدأ يظهر نتيجة الظروف الدولية والحرب الأميركية التي تجري ضد روسيا والنية الأميركية بشن حرب على الصي، فمضاعفات هذا العامل على الكيان الإسرائيلي ستؤدي إلى انهيار في النظام العالمي الذي فرضه الاستعمار بعد الحربين العالميتين الأولى والثانية بعد أن أصبح يتعرض في ظروف الحرب الجارية الآن ضد روسيا والصين وعلى المستوى العالمي إلى تآكل مؤكد وسيحل محله نظام عالمي لن تكون فيه واشنطن قادرة على فرض ما تريد لحماية كيان الاحتلال.
وهذا ما بات عدد من المفكرين في الحركة الصهيونية يضعه كخيار بين حرب نووية عالمية أو انهيار للنظام العالمي الاستعماري التقليدي الذي ساد خلال القرن الماضي وبتضافر العامل الداخلي المهزوم داخل الكيان مع العامل الخارجي الذي تتعرض فيه الدول التي صنعت هذا الكيان للضعف من الطبيعي أن ينهار هذا الكيان أمام مقاومة أصحاب الأرض في فلسطين.