هل انتهت اللعبة.. أم تعديل خيارات..!؟
| عبد السلام حجاب
رغم أن المؤشرات السياسية، تشي نظرياً على الأقل بمعالم نهاية اللعبة الأميركية التآمرية على سورية وقائدها، بصدور القرار الدولي 2254 ليل الجمعة الفائت بإجماع دول مجلس الأمن غير أن أحداً لا يمكنه الوثوق من اتجاه الاحتمالات اللاحقة التي يعول عليها حلف الإرهاب الذي تقوده واشنطن، في أثناء تنفيذ القرار، لتحقيق أغراض سياسية تفيد الاستراتيجية الأميركية، ولا تتعارض مع مصالح حلفها وفي مقدمه الكيان الإسرائيلي. ومن بينها:
1- حماية سمعتها الإمبراطورية من خسائر سياسية أو معنوية تنعكس سلباً على الرئيس أوباما والحملة التي يخوضها حزبه الديمقراطي في الانتخابات الرئاسية المقبلة.
2- التخفيف ما أمكن، من خسائر سياسية فضلاً عن الميدانية، يتوقع أن تلقي بثقل إضافي على أطراف شكلوا رأس حربتها الإرهابية ممثلة بالعثماني السفاح أردوغان وحكام بني سعود ومشيخة قطر.
3- مواصلة الاستثمار بلعبة الرهان على إرهابيين جيدين وإرهابيين سيئين للنفاذ إلى تحقيق مكاسب جيوسياسية في أثناء تنفيذ القرار الدولي (2254) حتى وإن تعارض ذلك مع القرار 2253 الذي سبق أن اتخذه وزراء مالية الدول الأعضاء في مجلس الأمن الدولي والقاضي استناداً إلى الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة بإلزام جميع الدول بمكافحة تمويل الإرهاب والتحرك بشكل نشط وحاسم لقطع التمويلات وبقية الموارد الاقتصادية وأن تجعل الدول من تمويل الإرهاب جريمة خطرة في قوانينها الوطنية.. أولم تعطل واشنطن ولا تزال تنفيذ قرارات مجلس الأمن 2170 و2178 و2199 بشأن محاربة الإرهاب وتجفيف مصادر تمويله وإلزام الدول الراعية للإرهاب والداعمة له وفق الفصل السابع من الميثاق!؟
ويمكن القول: إن سياسة المعايير المزدوجة الأميركية تجاه العديد من القضايا الدولية المهمة تلقي مزيداً من الشكوك حول مقولة «انتهت اللعبة» التي روجت الخارجة الأميركية لها قبل أكثر من ثلاثة أسابيع. وتجعلها فاقدة للكثير من المصداقية فيما يتعلق بالحل السياسي للأزمة في سورية الذي شكل محور القرار الدولي 2254 الذي قال فيه الوزير الأميركي كيري أمام مجلس الأمن الذي ترأس بلاده دورة انعقاده الحالية: «إن القرار الذي اتخذه مجلس الأمن رسالة إلى كل المعنيين بأن الوقت قد حان لحل الأزمة في سورية وأضاف بأن الشعب السوري هو من يحدد مستقبله، وأن أي مسار للحل لا يفرض من الخارج». لكن التاريخ لا ينسى تصريحات كيري نفسه عن استدارة سياسية أميركية قبل نحو ثلاث سنوات في موسكو وجاءت ترجمتها خيارات تكتيكية أشد خطورة في تداعياتها. لم تخرج عن الأهداف الاستراتيجية التي يحدد اللوبي الصهيوني خطوطها العريضة ضد سورية والمنطقة عامة.
ولعل السؤال الذي يطرح نفسه. إذا كانت اللعبة انتهت وأن الوقت قد حان. فأين يمكن تصنيف الخيارات القائمة حالياً التي تمثل فيها أميركا محور الرؤية والأفكار والآراء في ضوء القرار الدولي الذي لم يجف الحبر الذي كتب فيه!؟ ومن بينها:
1- تعويم حلف الرياض الإسلامي العسكري وما جرى التخطيط له من أجل أن يكون قاعدة استهداف لسورية وحلفها المقاوم وإعطاء الصراع بعداً مذهبياً بديلاً من الصراع ضد الكيان الإسرائيلي ومشاريعه العدوانية وبالتالي حرف مسألة الحرب على الإرهاب الذي تواجهه سورية عن مسارها القاضي بالقضاء على الإرهاب تمهيداً للاستثمار فيه لاحقاً!؟
2- الدفع بالعلاقات القائمة بين العثماني أردوغان والكيان الإسرائيلي إلى الواجهة وإظهار ما هو سري منها إلى العلن الذي لم يبدأ فقط من عودة العلاقات الدبلوماسية بينهما فحسب بل إن تفاصيل ما جرى الكشف عنه تتجاوز ذلك إلى الاقتصاد والأمن والمناورة بحقوق الشعب الفلسطيني غير القابلة للتصرف!؟
3- الاستثمار بشكل علني على مخرجات اجتماعات الرياض لما سمي المعارضة السورية التي لا تعني السوريين بشيء في مواجهة القرار الدولي 2254 ومحاولة الالتفاف على مندرجاته التي لا مكان فيها للجماعات الإرهابية بمختلف مسمياتها سواء المدرجة على لوائح الإرهاب الدولية أم اللائحة الجديدة الموسعة التي يناور بشأنها كل من تركيا العثمانية وحكام بني سعود ومشايخ قطر!؟
4- الاستمرار في دعم المجموعات الإرهابية التي تطلق عليها أميركا «معارضة معتدلة» بتزويدها بالسلاح والدعم اللوجستي بهدف تحقيق مكاسب جيوسياسية أسقطها قرار مجلس الأمن الدولي الأخير.
إنه ليس مفاجئاً. في هذا السياق، أن يغلق الاتحاد الأوروبي وتركيا مجالهما الجوي أمام القاذفات الاستراتيجية الروسية التي تحارب الإرهاب.
كما لم يكن مفاجئاً أن تكرر فرنسا وبريطانيا مواقفهما السياسية السابقة فيما يتعلق بالحل السياسي للأزمة في سورية ما يجعلهما منفصلين عن الواقع أمام مجلس الأمن الدولي بحيث بدت مواقفهما مثيرة للسخرية. إذ لا العودة إلى المربع الأول من الأزمة أمر متاح أو ممكن ولا المعطيات السياسية والميدانية في سورية وما تحققه من نجاحات إستراتيجية بدعم موسكو وطهران والمقاومة اللبنانية يتيح اللعب على المقررات لمبدأ محاربة الإرهاب باللجوء إلى ردود فعل عرضية مسيسة لامتصاص الخوف في دوائرهم الانتخابية، ولا سيما أن الحل الذي سعوا إليه بوساطة الإرهاب قد سقط وتأكد سقوطه في مجلس الأمن وأن الحل سياسي للأزمة في سورية وأن الشعب السوري وحده من يقرر مستقبل سورية بحسب الوزير لافروف.
وليس بعيداً عن تفاصيل القرار الدولي، والأجندات المكشوفة التي تعلق على مشجب التفسيرات، فإن وزير الخارجية الألمانية استبق ذلك بالإشارة إلى أن تنفيذ القرار 2254 دونه عراقيل كثيرة. ما يعني أن الشيطان يكمن في التفاصيل، وما أكثر الشياطين وما أكثر التفاصيل التي يمكن أن تجعل القرار ضحية جديدة للمراهنين على الإرهاب والاستثمار فيه داخل أدراج الأمم المتحدة. وهو ما نبه إليه مندوب سورية الدائم د. بشار الجعفري في بيان أمام مجلس الأمن مشدداً على أن نجاح هذا المسار يتطلب التزاماً دولياً وإرادة سياسية حقيقية لدى الجميع ولا سيما الدول التي لها تأثير مباشر على الأطراف التي تعوق المسار السياسي. وتلك الدول التي تمد الإرهابيين بأوكسير الحياة.
لا شك أن السوريين بقيادة الرئيس بشار الأسد واثقون بأن أحداً، مهما كان شأنه، لن يكون بمقدوره فرض شروط مسبقة على خياراتهم الوطنية مؤكدين أن الحل السياسي قرارهم بأنفسهم بقيادة سورية من دون أي تدخل خارجي أو أجندات إرهابية مسبقة بحيث يشكل القضاء على الإرهاب مقدمة لا بد منها وهو ما يتابع الجيش العربي السوري تحقيقه في الميدان بدعم الحلفاء والأصدقاء مهما كانت أجندات أغبياء السياسة والمراهنين على الأوهام.