الأخبار البارزةشؤون محلية

ما الذي أسقط المباني في المحافظات المنكوبة؟ وذوي ضحايا يدرسون رفع دعاوى على المتعهدين … مهندس استشاري لـ«الوطن»: الكود السوري مصمم لتحمل شدة زلازل أعلى من الذي وقع والمتعهدون ذهبوا نحو الربح السريع

| إيمى غسان

انهيار مئات المباني فوق رؤوس ساكنيها في المحافظات المنكوبة، أثار الكثير من التساؤلات حول جودة الأبنية ومطابقتها للمواصفات الصحيحة التي تمنح على أساسها رخص البناء، وخاصة موضوع كود الزلازل السوري الذي يصنفه الخبراء بأنه من أفضل أنواع الكودات المختصة بهذا الأمر، فما الذي حدث؟

وبعد جولة «الوطن» على العديد من المواقع الأكثر تضرراً من الزلزال في محافظة اللاذقية وملاحظة عدد الأبنية المتهدمة والمتصدعة التي شُمّعت من المحافظة، تبين وجود عدد كبير من الأبنية الجديدة نسبياً والتي تم بناؤها تحت مسمى محضر وكانت الأكثر تضرراً وتأثراً بالزلزال.

للوقوف على حيثيات الموضوع، الوطن تواصلت مع المهندس الاستشاري سليمان الأحمد الذي قال: إن كثيراً من الدراسات التي تسبق الإنشاء غير دقيقة، وكانت المخططات غير جيدة، والإشراف الحقيقي على التنفيذ غير موجود، حيث تقوم الجهة المنفذة في كثير من الأوقات بتقليل جودة البناء بما يتناسب مع أسعار السوق من الحديد والبيتون مضحين بالجودة مقابل زيادة الأرباح، موضحاً أن في 50 بالمئة من الأبنية يكون التنفيذ غير المخطط وقد يكون المخطط بالأصل غير مراع للشروط، موضحاً أن معرفة سبب حدوث ضرر في مناطق معينة دون أخرى بحاجة تعمق بالدراسة، وهذه الدراسة ليست لتبرير الخطأ.

الخطأ البسيط لا يُسقط البناء

وتابع الأحمد إنه في فلسفة الكود العربي السوري، حتى لو خرج البناء عن الخدمة بسبب زلزال يجب ألا ينهار ويسوى بالأرض، حتى لو كان الزلزال بدرجة أقوى.

متابعاً إن 70 بالمئة من أذونات الصب وهمية وغير مراقبة، ولا سُبور حقيقية للتربة وقد بنيت أبراج وأبنية من دون سُبور، وحتى لو كان التقرير بالرؤية العينية سليم، يُخشى مما تحت الأساسات، إذ إن لكل تربة طرق تأسيس ولها جملة إنشائية تزيد مقاومتها، وفي الهندسة دوماً هناك حلول، ولكن قد يطلق على تربة صفة «غير صالحة للبناء» عندما تكون تكاليف إنشائها بشكل صحيح أكبر من قيمتها الربحية.

وأضاف الأحمد: إنه يجب أن تجرى استقصاءات لكامل التربة، والإشكال هو أن المنفذين ذهبوا باتجاه الربح السريع دون الأخذ بالحسبان احتمالية وقوع ضحايا بالدرجة الأولى إذا ما انهار البناء، وضياع جنى عمر المالك إذا ما تصدع البناء وأخلي، وصحيح أنه في الفترة الأخيرة تحسنت مستوى الدراسات والمخططات، لكن الإشراف على التنفيذ شبه معدوم، وبالهندسة الإنشائية لا آراء حيث إنها ليس لها جانب فني، بل إما أن يتم العمل بشكل صحيح أو خاطئ، حيث إنه هنالك كود يلزم المهندس قانونياً وعليه يتم الضبط عن طريق برنامج عمل للحد من الأخطاء وحصرها بالحد الأدنى.

صفات الكود السوري

كذلك فإن الكود السوري يلزم المهندسين بالإنشاء والتصميم والتأسيس بشكل يحمل شدّات الزلازل لدرجة معينة، وحتى لو وصلت الشدة إلى أعلى من الشدة التي صمم على تحملها البناء وفق الكود السوري يجب ألا ينهار، مع العلم أن زلزال 6 شباط لم يصل إلى الشدة القصوى التي صُمم الكود السوري على أساس تحمّلها، فعند الزلازل قد يخرج البناء عن العمل، يتشقق، تظهر تصدعات واضحة بالبيتون، ويظهر الحديد الداخلي ولكن يجب ألا يسقط.

وشدد الأحمد على أنه لا بناء انهار بشكل كلي إلا فيه خطأ، ولمعرفة هذا الخطأ ما حجمه وكيفيته، تجب دراسة كل بناء بشكل منفرد، ويجب عدم ترحيل الأنقاض قبل أن تتم معاينة الموقع من لجنة مختصة، لكي يتبين مدى الخطأ، وقد تكون هناك ظواهر بحاجة إلى دراسة متعمقة تنتج عنها توصيات إذ يجب فهم سبب الانهيارات وسلوكها.

وتابع الأحمد إن اللجان التي تعاين الأبنية المتضررة يجب أن تميز بين تشققات التقلص والتمدد من جهة، والتشققات الناتجة عن ظاهرة التفحم التي تسبب صدأ الحديد، وبين التشققات المؤذية غير المنهارة، داعياً إلى تشكيل لجنة لاحقة للجنة الأولى التي كشفت على الأبنية لتصنيفها بشكل مفصل أكثر، فيجب تصنيف الأبنية إلى أبنية آيلة للسقوط يجب أن تخلى وأخرى بحاجة ترميم وتدعيم سريع، وأبنية بحاجة ترميم مؤقت وبإمكان القاطنين البقاء فيها وأبنية بحاجة ترميم لاحق ليس مستعجلاً، بحيث لا يضطر السكان إلى الإخلاء. ليست كل اللجان التي كشفت على الأبنية لديها خبرة وليست من ذوي الاختصاص الذي يمكنها من تصنيف مدى أمان الأبنية وقابليتها للسكن أو حاجتها للإخلاء، ويجب أن تقوم اللجنة باختبارات مهنية مثل اختبار مقاومة البيتون عن طريق المطرقة، ويوجد اختبار أدق عن طريق الأمواج الصوتية وهناك أجهزة تختبر جودة الحديد، وفي بعض الأحيان تحدث تشققات بالأبنية خاصةً في البيئات الرطبة وزادت هذه التشققات بسبب الزلزال وأصبحت بحاجة ترميم ليس مستعجلاً، كما أن المشاهدة العينية للمهندسين يجب أن تتبعها اختبارات أخرى في حال وجود أي خلل، مؤكداً ضرورة عدم استسهال إعطاء قرار الإخلاء.

المشروع العاشر والرميلة

وكشف الأحمد أنه يوجد إشكال بالمشروع العاشر وتوسعه ومنطقة الرميلة في جبلة، وعلينا أن ندرسها علمياً، وأن وجود مشكلات في التربة أو تكهفات هي مدعاة للتأسيس الصحيح والتدعيم الإضافي وليست حجة للمتعهد لإخلاء مسؤوليته، ويوجد مشكلة في هذه المناطق، حيث إننا لا نستطيع أن نخصص منطقة معينة للبناء، تكلفة البناء فيها بشكل صحيح وفقاً لطبيعة التربة تفوق قيمة العقار في السوق، فيضطر المتعهد للبناء من دون تأسيس صحيح وبشكل غير مدروس وغير مدعم بهدف تحقيق الربح، ودعا إلى ضرورة عدم تلبيس الأبنية ذات الارتفاع العالي بالحجارة إلا بشروط إنشائية محددة وذلك لخطورتها على الناس خصوصاً في الزلازل لأنها تنهار على رؤوس المارّه، وهو ما لم يحدث في زلزال 6 شباط لحدوثه بوقت متأخر من الليل.

الأزمة من أهم الأسباب

وذكر الأحمد مرسوم 2012 الذي منع تسوية أي مخالفة وأكد أن المرسوم جيد من ناحية عدم السماح للمخالفين بالتصالح على الوضع الراهن، ولكن تفاقم الأزمة السورية نتج عنه أبنية غير مرخصة وصلت في بعض الأحيان إلى أحياء كاملة من المخالفات لم يكن عليها رقابة بالمجمل وحتى الأبنية المرخصة لم تنفذ وفق القواعد، ولم تراعِ الكود السوري، مؤكداً أنه حتى لو كان البناء غير مرخص تقع المسؤولية على المنفذين وعلى البلدية لأن هذه الأبنية مسجلة بالمالية ويتم شراؤها وبيعها بعقود نظامية ولها صكوك ملكية، واقترح الأحمد إيجاد حل للأبنية المخالفة حسب مرسوم 2012، وذلك عن طريق إرسال لجان للتأكد من سلامة الأبنية وتنظيمها وإدخالها ضمن الرقابة ويجب إزالة الأبنية التي تشكل خطورة على الجوار وذلك لايعني المصالحة عليها وكأن الدولة تكافئ المخالف ولكن يجب أن يوجد قرارات للحفاظ على سلامة الساكنين.

كل مبنى له ظروفه

الدكتور في جامعة تشرين المهندس رامي الأسطة المختص بالجيوتكنيك «تربة» أكد أنه لا يمكن إرجاع تهدم أكثر من بناء لسبب واحد، وإنما يجب دراسة تربة وتفاصيل كل بناء بشكل فردي، فبعض الأبنية انهارت بسبب مشكلات إنشائية عند التنفيذ، في حين انهار البعض الآخر بسبب التأسيس الخاطئ بما لا يتناسب مع نوعية التربة.

صعوبة الرقابة الكاملة

وقال المهندس أحمد حلاق المدير السابق لدائرة البناء في مجلس مدينة اللاذقية، أن الكود السوري للزلازل يحدد شروط للبناء بشكل واضح، وعلى جميع المهندسين التقيد به، ولكن تبقى من الصعوبة بمكان الرقابة من قبل المحافظة على التنفيذ، وهنا يقع التقصير فغالباً يكون موظف البلدية المراقب أقل خبرة من المهندسين الدارسين للمشروع والمنفذين، ويقترح حلاق لضبط عمليات البناء أن يتسلم كل مشروع بناء مكتب هندسي استشاري «يتضمن مهندسين من كل الاختصاصات» للتنفيذ ومكتب آخر للرقابة بحيث يتحمل المكتتبين المسؤولية بشكل مباشر إذا كان التقصير من الجهة المنفذة أو الدارسة والمصممة.

دعاوى على المتعهدين

وعند التواصل مع أهل أحد الضحايا الذي توفي وزوجته وعشرة آخرين في بناء مكون من خمسة طوابق، وهو مرخص ومبني حسب الشروط-كما هو مفترض- أكد أهل الفقيد أنهم بصدد رفع دعوى على المتعهد الذي قام ببناء المحضر بقصد التجارة، وقالوا لـ«الوطن» إن البناء الذي قضى فيه ابنهم – حسب مختصين – لم يراعِ فيه أدنى شروط السلامة أو التدعيم، حيث لاحظ الأشخاص الذين قاموا برفع الأنقاض -بحسب أهل الفقيد- عدم وجود أسياخ حديد بالشكل الكافي وأكدوا على رداءة الإسمنت المستخدم واصفينه بأنه «بودرة»، ومما زاد حنقهم ودفعهم لرفع الدعوى أن البناء كان الوحيد المتضرر في كل المنطقة، في حين أن باقي الأبنية التي تم بناء أغلبها من قبل ساكنيها وليست محاضر للتجارة لم تتأثر بالزلزال.

يذكر أن رخص البناء تصدر عن البلدية بعد تقديم المتعهد طلباً لدائرة الرخص ويرفق الطلب بمخطط ودراسة من مكتب هندسي حيث يقوم مهندس من دائرة البناء ونقابة المهندسين بمراقبة العمل ومنح أذونات الصب وفقاً لمعايير السلامة والكود السوري للزلازل.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن