تحاول الولايات المتحدة تقديم نفسها للعالم كله وليس لمنطقتنا فقط، على أنها غزت بوحداتها العسكرية منطقة شمال شرق سورية لمحاربة إرهاب مجموعات منظمة القاعدة وداعش وغيرها في تلك المنطقة، وبالعودة إلى سجل هذه المزاعم، نرى أن واشنطن عملت منذ بداية هذا الغزو على تنفيذ سياسة أنشأت بوساطتها مجموعات مسلحة تحارب الجيش والشعب السوري في تلك المنطقة، لكي تتيح بهذه الطريقة انتشار هذه المجموعات الإرهابية التي لا يقاتلها بجدية وإيمان وعلنية سوى الجيش العربي السوري وحلفائه من القوى المحلية والإقليمية والدولية.
هذا ما يجعل كل هذه المجموعات المسلحة بما فيها وحدات الاحتلال الأميركي في شمال شرق سورية، جبهة إرهابية في مواجهة الجيش العربي السوري وليس غيره، فالقصف الأميركي كان يقتل السوريين، واستهدف الجيش العربي السوري في أكثر من مناسبة على غرار مجموعات داعش التي تولت هذه المهمة على جبهات عديدة في الأراضي السورية، بينما كانت وحدات المسلحين من ميليشيات «قوات سورية الديمقراطية – قسد» المدعومة بالسلاح والعربات المدرعة الأميركية، تقوم بالسيطرة على أراض تنقل حمايتها إلى وحدات الاحتلال الأميركية.
في النهاية، خططت واشنطن بعد انتصار الجيش العربي السوري وحلفائه على مجموعات داعش منذ عام 2019، كما نرى الآن، إلى إعادة إحياء مجموعات داعش الإرهابية في تلك المنطقة بطريقة أميركية وتوجيه عملياتها ضد الشعب والجيش العربي السوري، مثلما جرى قرب منطقة تدمر حين ارتكبت داعش مذبحة بحق المدنيين السوريين لا يستطيع أحد أن ينكر الدور الأميركي فيها، وهو الذي يدير المعارك مع كل من يتحالف معه ضد سورية وشعبها وجيشها بطريقة مكشوفة لكل من يتابع سجل الغزو الأميركي للأراضي السورية.
لقد اعتادت وزارة الدفاع الأميركية على إخراج مشاهد هوليودية على بطولاتها في محاربة الإرهاب بالإعلان عن نجاحها «بقتل فرد من قادة مجموعات داعش» وبأنها «تمكنت بعد قتله من إحباط عدد من خطط داعش»، مثلما جاء قبل أسبوع في بياناتها، ثم نجد بعد أيام قليلة أن مجموعات داعش الموجودة قرب منطقة الوحدات الأميركية ترتكب مذبحة في وضح النهار ضد مدنيين سوريين من أبناء المنطقة وفوق أراضيهم، وهي الطريقة نفسها التي كانت تستخدمها أميركا في دفع مجموعات داعش ضد الجيش والشعب السوري.
بهذه الطريقة يصبح بقاء داعش مصلحة للولايات المتحدة ولحليفها المحلي في شمال شرق سورية، طالما أنه سيظل يشكل جبهة مسلحة لمحاربة الجيش العربي السوري لمصلحة الغزو الأميركي ضد هذا الشعب وسيادة الوطن، وبما أن جبهات الحرب التي تستهدف سورية كلها أميركية وتستخدم كل مجموعات الإرهاب المتوافرة لها في المنطقة، فقد جاء العدوان الإسرائيلي على سورية أول من أمس، منسقاً على أعلى درجة مع إدارة الحرب الإرهابية التي تديرها وحدات الغزو الأميركية لضرب دمشق في عدد من أحيائها.
إن هذه الحروب الإرهابية الأميركية بوساطة حلفائها المستترين من داعش، ومن غير المستترين في شمال شرقي سورية، تشكلت لإدارتها وتوجيه المجموعات المرتبطة بها، قيادة مركزية من قادة عسكريين في الجولان المحتل وقادة عسكريين من الوحدات الأميركية الموجودة في شمال شرق سورية، وبهذا الشكل يقوم الكيان الإسرائيلي وواشنطن بإدارة كل المجموعات السرية والعلنية الإرهابية النائمة والعاملة علناً وفي مقدمتها داعش.
الإدارة الأميركية ووكالات استخباراتها ليس جديداً عليها توظيف المجموعات الإرهابية لخدمة سياساتها، فهذا ما عملت على تحقيقه مع ثلاث مجموعات إرهابية خلال العقدين الماضيين، فقد استخلصت من منظمة القاعدة، قادة وظفتهم لمصلحتها، وكشفت وسائل إعلام أميركية كيف جندت مساجين من قادة مجموعات القاعدة في معتقل غوانتنامو الأميركي في تنفيذ هذه السياسة، ثم انتقلت بالطريقة نفسها حين جمعت في سجن في مناطق «قسد» مجموعات من قادة داعش ووظفتهم تحت خدمتها بعد الإفراج عنهم، ثم انتقلت إلى جبهة النصرة وكان ذلك واضحاً في خطتها هذه بالاعتماد على مبدأ أن كل هذه المجموعات تقاتل ضد الجيش السوري وهذا قاسم مشترك يجمعها مع وحدات الغزو الأميركي التي تهدف إلى تقسيم سورية وهذا ما يتيح لواشنطن وتل أبيب معاً توظيف كل مجموعة تقاتل الجيش العربي السوري والسيادة السورية تحت إدارتهما.
لقد وصف أحد المحللين العسكريين الإسرائيليين ما تقوم به واشنطن في سورية تحت شعار محاربة الإرهاب بأنه العمل على استقطاب المجموعات المسلحة المعادية لسورية وإعادة توظيفها على الطريقة الأميركية السرية والعلنية، وحتى لو لم تبق فاعلة لمدة طويلة، فيكفي أنها أشغلت الجيش العربي السوري طوال فترة قيامها بهذه الوظيفة.
مع كل ما سبق، لا أحد يمكن أن يتجاهل أن انتصار الجيش العربي السوري وحلفائه على الأرض، من الطبيعي أن يؤدي إلى زيادة قدراته في التدريب وتراكم الخبرات واستخدام الأسلحة النوعية وإلى زيادة تمسكه بالإيمان بحتمية هزيمة كل هذه المخططات، وهو يدرك أن المعركة مستمرة وستتطلب منه المزيد من التصدي من أجل حماية الشعب وسيادة الوطن.