اقتصاد

العقوبات الاقتصادية تتأرجح حول ظاهرة «بوميرانج»؟!

| د. سعـد بساطـة

كلما (دق الكوز بالجرة)؛ بتصرف أوروبي لمتطرف مهووس ضد لغـتنا أو ديننا.. نتنادى لمقاطعـة الغـرب.. ولكن؛ هل هذا هو الرد الاقتصادي الأمثل؟

ذكر بيير ديغول حفيد الرئيس الفرنسي الراحل الجنرال شارل ديغول، في مقابلة معه: بأن العقوبات التي فرضها الغرب على روسيا قد وصلت إلى 11000 عقوبة، إضافة للحزمة التي فرضت مؤخراً، وهي ليست الدولة الوحيدة فالصين هي الأخرى قد أصبحت مستهدفة. ولذلك، فإن السؤال الذي يطرح نفسه بنفسه هنا هو: ما مدى فعالية هذه العقوبات؟

بالبداية نشير إلى أن هذه العقوبات تم فرضها من مجموعة من الدول، وبالتالي فهي ليست إلزامية، أو بالأصح لا يمكن إجبار بقية بلدان العالم على الامتثال لها، إلا بقدر ما ترى هذه البلدان أن ذلك يصب في مصلحتها.

الأمر الآخر، أن فرض العقوبات على روسيا والصين، لا يعطي نفس النتائج التي تعطيها العقوبات التي تفرضها الدول الغربية على البلدان النامية. فالفضاء الاقتصادي الروسي والصيني من الكبر، حيث يستطيع التغلب، أو على الأقل تحييد العقوبات المفروضة عليه. وهذا يخلق سابقة، بعدم جدوى العقوبات المفروضة، بل تحولها، بفعل تأثير ظاهرة بوميرانغ Boomerang، إلى سلاح مرتد على الجهة المستخدمة له. ولكن ما تلك الظاهرة؟ هي بالتعـريف: حالة يميل فيها الناس لفعـل عـكس ما هو مفروض عليهم (أي المقاطعـة)؛ بسبب الكيفية التي يتم عـرض الموضوع لهم. وبخاصة إذا كان المحتوى عـدوانياً!

ولذا نلاحظ، أن العقوبات المفروضة على روسيا والصين لا تعمل كما أراد فارضوها. وهذا يؤدي إلى تشجيع بقية الدول على عدم الالتزام بها.

إن تصرف الغرب الانفرادي، قد أصبح – بفعل ظاهرة بوميرانغ- أضحوكة يتندر العالم على عدم قدرتها وضعف حيلتها وتورطها بأكثر مما تستطيع.

بالنسبة للعـرب (والإسلام): وماذا بعد مقاطعة السلع السويدية والهولندية؟!

أنا مثل الملايين لا أقول فقط المسلمين، لكن كل من يمتلك قلباً سليماً يرفض الإساءة لأي دين أو عقيدة يؤمن بها قطاع من البشر، سواء أكانت سماوية: الديانات الثلاث الإبراهيمية (اليهودية والمسيحية والإسلام) أو غير سماوية، مثل البوذية والهندوسية والبهائية وغيرها، كلها لها قدسيتها المصانة.

قرر كثيرون إصدار بيانات تحث – ملياراً ونصف مليار مسلم في العالم – على مقاطعة السلع السويدية والهولندية، رداً على التجاوزات التي تفجرت مؤخراً على أيدي متطرفين.

أقدر دوافع تلك القرارات، وأشك بتنفيذها على أرض الواقع، فالأمر يستحق أسلوباً آخر، الكل يدرك أن هناك إحساسا يتنامى في العالم نطلق عليه (إسلاموفوبيا)، الخوف المرضي من الإسلام، هناك مشاعر عدائية مسبقة عند البعض بمجرد ذكر الإسلام، بسبب ممارسات هنا وهناك، ربط هؤلاء بتعسف مقيت بين الدين العظيم والدموية، الذي تمارسه منظمات إرهابية تدعى الإسلام مثل داعش والقاعدة وبوكو حرام، كما أن دولة مثل أفغانستان بعد أن رفعت شعارات (طالبان) صدرت للعالم صورة مخيفة للإسلام.

قطاع كبير من الأوروبيين لا يؤمنون أساساً بوجود إله، لا تعنيهم الأديان، كل الأديان، البعض يجعل حرية التعبير مظلة لكل التجاوزات، وخاصة أن بعض الأفلام لا تتوقف عن السخرية من الديانة المسيحية والطقوس الكنسية، هي ثقافة مختلفة لن نغيرها بمجرد إصدار مثل هذه القرارات، لكن هناك دوراً يجب أن نلعبه من خلال السينما، لديكم فيلم (اسمي خان ولست إرهابياً)، بطولة شاروخان، ولا تنس أن نسبة المسلمين في الهند لا تتجاوز 12 بالمئة من عدد السكان، كانت قضية الفيلم تقديم شخصية المسلم الشريف المتسامح، بينما هناك انطباع مسبق ينعته بالتطرف والإرهاب. هذا الفيلم حقق رواجاً في العالم، أهم وأعمق من كل قرارات المقاطعة.

من أصدر قرارات المقاطعة يعلم جيداً أنه على أرض الواقع لن يتم تنفيذها، ففي أعقاب هزيمة 67 قررت الرقابة على المصنفات مقاطعة الفيلم الأميركي، رداً على الموقف الأميركي المؤيد لإسرائيل، ورغم ذلك سقط القرار بعد بضعة أشهر، مثلما سقطت شعارات مماثلة لمقاطعة الكوكاكولا والبيبسي والهامبرجر.

على كل المؤسسات المعنية البحث عن أسلحة عصرية أخرى أشد قوة وأكثر تأثيراً، لتقديم صورة صحيحة عن ثقافتنا.

علينا أولاً أن ننحى جانباً الإحساس بأن هناك مؤامرة كونية ضدنا؛ ونعترف بأننا مقصرون في نشر ثقافتنا، وبعدها تبدأ المواجهة!!

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن