الوجه الآخر الجميل لزلزال السادس من شباط المفزع والموجع والأليم، هو الهبة السورية الشاملة، نحو إعادة النظر بمساكننا المشكوك بسلامتها، وجلها في مناطق العشوائيات والمخالفات، عبر إصدار دليل فرق عمل تقييم المباني المتضررة، وتشكيل، أكثر من مئتي فرقة هندسية تضم ممثلين عن وزارتي الإدارة المحلية والأشغال العامة ونقابة المهندسين والجامعات، كشفت وحددت، أغلب البيوت التي تحتاج إلى تدعيم أو صيانة، أو أنها سليمة وقابلة للسكن.
وأحدث صندوق لإعادة تأهيل المناطق المنكوبة وتقديم الدعم الممكن للمتضررين، وخصص مجلس الوزراء 50 مليار ليرة سورية مبدئياً، توضع تحت تصرف هذا الصندوق، وهو سيستفيد حتماً من المساعدات المالية الداخلية والخارجية التي قدمت لمنكوبي الزلزال وهم كثر (ما يقرب من 400 ألف نسمة)، علماً أن التقديرات الأولية لإعادة بناء وترميم وصيانة ما تسبب به الزلزال في سورية لا تقل عن 500 مليار ليرة سورية.
المبلغ كبير ولكن ( تعاضدنا يفعّل إمكاناتنا الذاتية وتشتتنا يبددها )، إلى هذا التعاضد دعا السيد الرئيس بشار الأسد، في أول كلمة له عن الزلزال بدأها بقوله: الوطن هو المنزل، وحمايته واجب بغض النظر عن نوع وحجم التحديات.
يجب أن نتمسك بهذا التماثل ما بين الوطن والمنزل وأن نسعى إلى سكن جديد موثوق، ولقد برزت في سياق أزمة الزلزال منظمة دولية تابعة للأمم المتحدة اسمها UN HABITAT تعنى بدراسة وتقييم الأبنية المتضررة، وأقامت ندوة تدريبية في اللاذقية وأبدى مديرها الرغبة في مساعدة سورية.
لعل السكن السليم، يقودنا إلى تغيير جوهري، ينقذنا مما ابتلانا به السكن العشوائي على أي أرض.
لقد تم في سورية خلال الفترة ما بين العام 2000 والعام 2015 بناء 1700كم٢ من المساكن على أراض زراعية، من أصل 2000 كم٢ مساكن حسب الدكتور ياغي الخبير في مؤسسة الاستشعار عن بعد السورية.
وهذا الرقم مفزع، وهذه الأراضي- على المدى البعيد- يجب أن تعود للزراعة لنتنفس ونأكل، وأن نبني بيوتنا الجديدة على أراض صلبة تتحمل ناطحات السحاب، إذ الواحدة منها تستوعب عدة أحياء، والذين يشتغلون على المخطط التنظيمي الجديد لدمشق حددوا منطقة برزة كمنطقة صخرية صلبة تتحمل الأبنية العالية وهي حل سكني، يقلص الازدحام ويستوعب الزيادة السكانية.
ومن هذه الإشارة نذهب إلى الدور التنموي للبيت في حياة الناس، فهو مأواهم لممارسة نشاطهم الزراعي أو المهني أو الصناعي، وليس بديلاً من كل هذه الوظائف.
عندما تقرر بناء سد الفرات في العام 1968، عاش العمال في البداية في الخيام ثم في القرية الطبقة ثم انتقلوا إلى أحدث مدينة في سورية، هي مدينة الثورة الراقية بأبنيتها وطرقاتها وخدماتها الحيوية، وفي سياق ذلك كله بنوا سد الفرات العظيم، أعظم مولد لطاقة إنتاجية مذهلة، جسدتها بحيرة الأسد التي وفرت الماء للأراضي المستصلحة ومياه الشرب لمحافظة حلب وتوليد الكهرباء، إلى جانب حمايتها مساحات شاسعة من الأراضي السورية والعراقية من الفيضانات السنوية المدمرة.
إن بناء منازل مستدامة لمنكوبي الزلزال، وأعمال الترميم والصيانة هي بحد ذاتها فعاليات إنتاجية، وتعد مقدمة وفترة تدريبية ثمينة للاستمرار في نهج تغيير خريطة السكن السورية بعيداً عن الفالق الزلزالي وعلى أراض غير زراعية مدروسة جيولوجياً، ضمن ضواح تحتوي على أسواق مهنية وهذا ما تحتاج إليه المدن السورية الحديثة التي تنكرت لإرث حميد، تعبر عنه أسواق النحاسين والحدادين والنجارين، في دمشق القديمة سواء في العمارة أم القباقبية …إلخ وهي أسواق إنتاجية تستوعب اليد العاملة الجديدة وخاصة خريجي المدارس المهنية.
الوجه الآخر الجميل للزلزال المقيت، سكن سوري آخر حديث يصون حياة ساكنيه.