اقتصاد

الصدوع المخفية

| فراس القاضي

بما أن أحاديث السوريين اليوم تتمحور حول الطبقات التكتونية والفوالق والصدوع، فلا بد من ذكر الصدعين الأكبر في حياتنا، صدع الثقة بيننا وبين الحكومة التي تقف اليوم أمام فرصة عظيمة للبدء برأبه عبر أمر واحد فقط: الشفافية. وليس مطلوباً منها أكثر من إجراءات بسيطة تعلن عبرها بياناتها وتفاصيل ما يجري، وهنا الصدع الثاني: البيانات، هل نمتلكها؟

12 عاماً من الحرب التي لم يمر مثلها على أحد، وما نزال نعاني نقص البيانات، 12 عاماً هجر خلالها الملايين، وسافر الملايين، ومات مئات الآلاف، وما تزال بياناتنا منقوصة أو غير موجودة أساساً، ولعل مشروع إعادة هيكلة الدعم أظهر هذا النقص بأبشع صوره، وهذا يعيدنا إلى تلك الأيام لنسأل السؤال الذي يجوز على وضع الحرب والزلزال:

كيف كان يتم التعامل مع المتضررين من دون بيانات أو ببيانات أولية سريعة؟ وكيف يتم التعامل اليوم خاصة أن الوضعين متشابهان جداً من حيث النزوح وتفرّق الناس بين المدن والقرى ومراكز الإيواء؟

وبالعودة لموضوع الثقة، فإنها في هذا الباب وهذا الوقت بالتحديد، ليست أمراً نفسياً سيحسن نظرة الناس لمؤسسات الدولة فقط، أو خطوة يبنى عليها مستقبلاً، بل هي تتعلق باستمرار التشجيع على جمع التبرعات، وكسر الحصار، والاتفاق والموافقة الصادقة الحقيقية من الناس على أن تكون الحكومة هي الجهة الوحيدة المخولة بالإنقاذ والرعاية، والحث من قبلهم على توجيه كل ما يأتي من المجتمع إليها لأنها الجهة الأقدر والأكثر أماناً وثقة بوصول ما يجب أن يصل إلى من يجب أن يصل إليه.

أما ما يتم تناوله عن انخفاض وتيرة الحماسة الشعبية تجاه كارثة الزلزال، فهو ليس دقيقاً، وحتى لو كان، فهو ليس غريباً ولا مخيباً، بل هو منطق الأمور، فمشاعرنا كأفراد اليوم غيرها منذ أسبوع، خاصة أن الأغلبية العظمى من السوريين تعاني المعاناة ذاتها من فقر وقلة وأوضاع معيشية صعبة جداً، وأنهم ما تركوا شيئاً بالإمكان تقديمه إلا وقدموه لدرجة جعلتنا جميعاً نفاجأ رغم معرفتنا بمعدن أهالي هذه البلاد، وأنهم حتى لو استمروا، فإنهم في المرحلة الحالية ما عادوا قادرين على التأثير بشكل كبير، لأن الكارثة انتقلت إلى مستوى جديد لا أحد غير الدولة أو الدول قادرة على معالجته أو معالجة آثاره.

وما يُخشى حدوثه هو فتور همة الحكومة والمؤسسات التابعة لها، هذا إن افترضنا أنها لم تفتر، لأن ما يتم نقله عن طريق الإعلام الرسمي لا يوحي باستجابة على قدر الحدث، ولا يجيب عن الكثير من الأسئلة التي كنا أول من قام بتأجيلها في الأيام الأولى مراعاة لحالة الصدمة التي كانت واضحة على الجميع، أما اليوم، أي بعد 18 يوماً من الكارثة، فيجب أن نرى ونسمع عن معطيات وإجراءات جديدة، خاصة أن الحكومة ومنذ نحو عشرة أيام، أعلنت أنها انتقلت من خطة الإغاثة الإسعافية إلى خطة الاستدامة، ومع هذا، ما تزال المعطيات شحيحة جداً، والمؤتمرات الصحفية التي أقيمت وتقام تحدثت عن كل المواضيع بالعموم تقريباً، وبأرقام بسيطة وقليلة جداً، فهل يستطيع أحد أن يعطينا مثلاً نسبة أعداد المقيمين في مراكز الإيواء ونسبة الذين لجؤوا إلى القرى ونسبة محتاجي المأوى ونسبة محتاجي الطعام واللباس؟

موضوع البيانات ينسحب أيضاً على أمر أخطر، وهو ما يفترض أنه قد تم تجهيزه للاستفادة من تجميد العقوبات المؤقت، وهل تمتلك الوزارات تصوراً واضحاً وأرقاماً دقيقة عن احتياجاتها أم إنها بدأت به بعد التجميد؟ الأمر الذي سيحد من الاستفادة – التي يجب أن تكون قصوى – خلال فترة السماح.

باختصار شديد، حاجتنا اليوم للبيانات، أفراداً وجهات، صارت أكبر من ذي قبل بكثير، وسيبنى عليها نجاحنا أو فشلنا، ثقتنا أو عدمها، نهضتنا الجديدة أو بقاؤنا حيث نحن.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن