أشخاص يشعرون بالهزات «الوهمية» … طبيب نفسي لـ«الوطن»: وسائل التواصل الاجتماعي أثرت سلباً في الصحة النفسية
| إيمى غسان
تعددت تبعات الزلزال على حياة الناس، ولعل أخطرها بعد التهديد المباشر لحياتهم وفقدانهم منازلهم كان التأثير السلبي على الصحة النفسية، «الوطن» تواصلت مع الدكتور غزوان محمد الطبيب الاختصاصي النفسي في اللاذقية الذي أوضح أن الزلزال هو تهديد للحياة كشخص وكعائلة لذلك يؤثر بشكل كبير في الحالة النفسية، وقد يظهر هذا التأثير بشكل ضيق نفس، تسرع بالقلب، والإحساس بالخوف الدائم وتسمى نوبة هلع عندما تحدث لمرة واحدة، ولكن عندما تتكرر تصبح اضطراب الكرب الحاد وإذا امتدت لأكثر من شهر تصبح اضطراب ما بعد المرض، مؤكداً أن الأعراض واسعة جداً وقد تصل إلى حالة ذهانية أي اضطراب بالتفكير والمحاكمة وشوهد ذلك ببعض الحالات إثر الزلزال.
معظم الحالات
وبين محمد أنه في الزلزال الكبير كان لدى الناس تعاط منطقي مع الوضع، ولكن عند الهزات الارتدادية التي تلت الزلزال كانت هناك ردات فعل غير منطقية وحالة من تنامي الخوف وزيادة الهلع، هذه الحالات خارجة عن إرادة الناس فالخوف والهلع ينتقل بينهم، وهروب الناس من منازلهم عند الهزات حتى وإن كانت الهزة ضعيفة، هو رد فعل طبيعي لما تعرضوا له من مشاهد دمار، حيث إن الخوف ينفي التفكير المنطقي، وبين أن جميع الحالات التي وصلت إلى المشافي في الهزات الارتدادية التي تلت الزلزال كانت بسبب الخوف، وهي رضوض وكسور بسبب التصرف اللا مسؤول الناتج عن الهلع، وبعض الجلطات والأزمات القلبية بسبب التوتر والخوف.
التعامل مع الأطفال
وأضاف محمد: يجب على الأهل أن يطمئنوا أولادهم، على عكس ما يحصل الآن حيث يقوم الأهل بنقل الخوف من الإشاعات التي يتلقوها من وسائل التواصل الاجتماعي إلى أولادهم مما له تأثير مدمر لنفسية الطفل، وعلى الأهل تخصيص وقت للأطفال، وإشغالهم بأشياء أخرى بعيدة عن أخبار الزلزال وتبعاته، كما يجب معرفة مخاوف الأطفال ومناقشتها بمنطقية، مشدداً على أن حجم خوف الطفل بحجم خوف الأهل.
السوشال ميديا وظاهرة التنبؤات
وقال محمد: إن عرض أدق التفاصيل لكارثة الزلزال، وكمية الرعب التي بثتها منصات التواصل الاجتماعي كان له تأثير سلبي كبير على الناس، ما جعلهم يعيشون حالة قلق مستمر، منوهاً بالدور الإيجابي لوسائل التواصل في الإغاثة، ولكن أصبح الناشطون بمنشوراتهم يستثمرون الكارثة لزيادة المتابعات عبر التهويل وبث الرعب والإشاعات والمعلومات غير الدقيقة أو العلمية.
وعند السؤال عن ظاهرة التنبؤات قال محمد إن الضغط النفسي الشديد يؤدي في بعض الحالات إلى هلوسات وأوهام تظهر بشكل أصوات تحدث الشخص المريض وتنبئه بالمستقبل أو وهم امتلاكه قوة خارقة، تسمى هذه الحالة «توهمات عظمة» وهي تندرج تحت مسمى «حالة ذهانية» وتنعكس على حياة الشخص بالكامل، فلا يستطيع أن يقوم بوظائفه الحياتية بشكل طبيعي وتؤدي إلى الاتجاه نحو العزلة والتعامل الغريب مع المحيط، وتستدعي العلاج النفسي.. مؤكداً أن الخوف لدى الناس والضغط الكبير الذي تعرضوا له جعلهم ينساقون نحو تصديق هذا النوع من التنبؤات والانجرار وراء الشائعات التي ليس لها أساس علمي أو منطقي، داعياً الجهات المختصة للقيام بإجراءات تحد من هذه الظاهرة، مشدداً على ضرورة أن يقوم الإعلام بدور التوعية وإبراز آراء الجهات الخبيرة والمعنية بالشأن العلمي المتعلق بالكوارث الطبيعية.
حالة خوف طبيعية
وعند سؤال الدكتور لؤي شماس اختصاصي طب نفسي عمل في حلب بعد الزلزال عن حالة الخوف عند الناس، أكد أن الخوف حالة طبيعية بالمجمل تندرج ضمن التبعات النفسية لحدث كبير مثل الزلزال، حيث يحدث عند الناس صدمة التوتر المفاجئ الشديد التي تظهر مباشرةً بعد التعرض لأي ظرف أو حادثة مهددة للحياة، ومن أعراضها عدم التصديق لما جرى، وعدم التعرف على شخصية الفرد، وعدم تعرفه على محيطه، موضحا أنه لكل حالة طريقة علاج معينة، وقد تستمر هذه الحالة لمدة شهر من بعد انتهاء التعرض للصدمة، وفي حالة الزلزال تعيد الهزات الارتدادية الصدمة من جديد فيعيش الناس الحالة مرة أخرى ويتجدد التوتر، وبسبب الخوف يتجنب الناس أي مكان يذكرهم بالحالة لذلك نرى نزوح وخروج الناس من بيوتهم.
عدم القدرة على الوصول إلى الدعم النفسي
وبين شماس أن أغلب الناس ليس لديهم وصول لدعم أو علاج نفسي، وشرح بعض الخطوات والإجراءات التي يستطيعون أن يقوموا بها للتخفيف من حالة التوتر والخوف والشدة النفسية، والتي تتمثل بما يعرف بالإسعاف النفسي الأولي، ويتضمن ثلاثية «انظر،اسمع،اربط» وهي أن ننظر لحالة الشخص الخارجية، ثم السماع لمخاوفه وأفكاره، ثم ربطه بطريقة للحصول على ما يحتاجه والنقطة التي تقدم له العناية لتخفيف الصدمة، ثم القيام بطمأنة الناس الذين تعرضوا للشدة النفسية «مثل طمأنة الناس في مراكز الإيواء أنهم في بناء متين لم يتصدع بالزلزال وليس هناك خوف على حياتهم»، وبعد الإسعاف النفسي الأولي يتم تحويل الأشخاص الأكثر تأثراً بالزلزال إلى أخصائيين نفسيين لتقديم العلاج المناسب، ومن الأساليب المتبعة لتخفيف التوتر بعد الصدمة هي استخدام تقنيات الاسترخاء، حيث يقوم الشخص بالشهيق بعمق والزفير ببطء وبهذه الحالة نقوم بتشتيت تنبه الشخص من الهلع والترقب إلى الاسترخاء، ويدعو الأشخاص إلى القيام بهذه التقنية كلما شعروا بالتوتر أو الخوف.
في حال استمرار حالة الاضطراب
وإذا استمرت حالة الاضطراب أضاف شماس، يجب تقديم دعم نفسي مباشر، وذلك عن طريق معالج مختص أو الفرق الجوالة التي تقدم دعماً نفسياً في المحافظات المنكوبة، وأكد شماس أن التوتر النفسي أحد أهم محرضات المرض العضوي، غير مستبعد حدوث حالات مرضية عضوية مثل أزمات قلبية أو نوبات سكري بسبب التوتر الشديد والصدمة النفسية.
وقال شماس: إن اضطراب الكرب الحاد ما بعد الصدمة يمكن تشخيصه بعد مرور شهر من انتهاء الحدث المؤذي وليس قبل ذلك، ومن أعراضه تكرار الحدث في مخيلة الشخص والقلق والتوتر المستمر وقلة النوم والهلع، وتحتاج هذه الحالة إلى علاج نفسي عند مختصين وقد يحتاج إلى علاج سريري يسمى «إزالة الحساسية وإعادة المعالجة من خلال حركات العين» أو العلاج بالأدوية المضادة للاكتئاب، موضحاً أن اضطراب ما بعد الصدمة يحدث بنسبة 4 بالمئة تقريباً من تعداد الناس الذين تعرضوا للشدة النفسية، واستمراره دون العلاج المناسب قد يؤدي إلى حالات أكثر خطورة منها تراجع الأداء الوظيفي وذلك ينسحب على الوظائف الاجتماعية والمهنية والأسرية للشخص.
التعامل في حالة الهلع
وأوضح شماس أنه من الصعب ضبط خوف الناس ولكن يمكن التأثير عليهم عن طريق الدعم النفسي الذي تقدمه الفرق الجوالة والتي تقوم بفرز الحالات بحيث لا تؤثر حالة توتر شخص على بقية المجموعة ونقل هلعه إليهم، مؤكداً أن وسائل التواصل الاجتماعي كان لها دور سلبي جداً، حيث قامت صور الدمار والضحايا بتحريض ذكريات مؤلمة عند الناس وجددت حالة الهلع، داعياً إلى الاستفادة من وسائل التواصل الاجتماعي بنشر مواد داعمة للحالة النفسية مثل تقنيات الاسترخاء.
توهم الزلزال
وعن حالة توهم حدوث زلزال أكد شماس أنه بعد الحدث الصادم المتمثل بالزلزال يقوم الدماغ بتضخيم أي مؤثر ولو بسيطاً بهدف الحفاظ على الحياة، فيشعر الناس بالهزات الوهمية وما يعزز هذا الشيء هو الهزات الارتدادية، داعياً إلى قيام الناس بتقنية التأريض بحيث يجلس الشخص على الأرض ويسأل الأشخاص المحيطين إذا شعروا بالهزة أو لم يشعروا بها، ويقوم الشخص بمحاكمة منطقية وفقاً للمعطيات «الأرض ثابتة لا تتحرك، الناس المحيطون لم يشعروا بالهزة» وبذلك يخف التوتر بشكل تدريجي.