قضايا وآراء

عرقلة واشنطن تسديد الديون العراقية لروسيا وإيران

| أحمد ضيف الله

زيارة الوفد الفني العراقي الرفيع للولايات المتحدة الأميركية برئاسة وزير الخارجية فؤاد حسين في الـ8 من شباط 2023 والتي استمرت حتى الـ16 منه، أتت أساساً في إطار الجهود التي تَبذلها الحكومة العراقية برئاسة محمد شياع السوداني والبنك المركزي العراقي، لمناقشة ومعالجة تطبيق نظام المنصة الإلكترونية «سويفت» وأموال العراق المودعة لدى البنك الاحتياطي الفيدرالي في نيويورك، وتخفيف القيود التي فرضها البنك الفيدرالي الأميركي ووزارة الخزانة الأميركية على التعاملات المالية العراقية بالدولار التي تسببت بانخفاض قيمة الدينار، بما يحد من حالة تدهور قيمته واضطراب الأسواق العراقية المالية والتجارية نتيجة ندرة الدولار المتداول لتغطية عمليات استيراد احتياجات السوق العراقية من المواد الأساسية.

العراق كان مستثنىً من نظام التعامل مع المنصة الإلكترونية، وهو نظام مشترك بين البنك الفيدرالي الأميركي والبنك المركزي العراقي لتدقيق التعاملات والمستوردات النقدية بالدولار منذ احتلاله.

في العام 2018، أبلغت الإدارة الأميركية حكومة مصطفى الكاظمي السابقة بأنها ستطبق نظام التعامل مع المنصة الإلكترونية مطلع العام 2023، إلا أن حكومة الكاظمي تغافلت عن اتخاذ الإجراءات اللازمة على مدى السنين الماضية استعداداً للعمل بالإجراءات الجديدة!

الاضطرابات التي شهدتها الأسواق التجارية العراقية منذ مطلع العام الحالي والتي تسببت بارتفاع حاد في أسعار السلع والمواد الغذائية الأساسية، وشبه شلل في حركة البيع والشراء، لانعدام القدرة الشرائية للطبقة الواسعة من محدودي الدخل والفقراء، الذي كان سببها الانخفاض الحاد في قيمة صرف الدينار العراقي مقابل الدولار، في واحدة من أكبر الأزمات المالية التي واجهها العراق منذ العام 2003، نتيجة تفعيل الإجراءات الخاصة بالمنصة الإلكترونية مطلع العام الجاري، ما تسبب في ارتفاع سعر الصرف، وتنامي سوق المضاربات بالدولار وتهريبه، بسبب قلة كميات الدولار المعروضة في الأسواق العراقية، نتيجة تحكم البنك الفيدرالي الأميركي ووزارة الخزانة الأميركية في ضخ الدولار بالأسواق العراقية، رغم امتلاك العراق فائضاً نقدياً احتياطياً لدى البنك تجاوز الـ100 مليار دولار.

الزيارة التي قام بها الوفد العراقي لواشنطن، كان أغلب اجتماعاتها «اقتصادية، عكس ما كانت عليه في السابق، حيث كانت تناقش القضايا العسكرية والأمنية وهذا يعد تطوراً مهماً»، وفق تصريح وزير الخارجية فؤاد حسين لمؤسسة كردستان الفضائية في الـ20 من شباط 2023، كما أفضت بالنتيجة إلى توصل الطرفين إلى «آليات جديدة بالتعاون سوف تسهم بإطلاق دفعات كبيرة من العملة الصعبة إلى داخل العراق، والاتفاق على طريقة تطبيق المنصة الإلكترونية، وهذا الأمر سيسهم وخلال فترة قليلة جداً باستقرار سعر صرف الدولار في السوق المحلي وفق سعره الرسمي»، بحسب ما قاله المتحدث باسم الحكومة العراقية باسم العوادي.

وعلى الرغم من قيام ثلاثة أعضاء من لجنة العلاقات الخارجية في الكونغرس الأميركي ممن ينتمون إلى الحزب الجمهوري، بتقديم طلب للرئيس الأميركي جوزيف بايدن بـ«ضرورة توضيح إجراءات الإدارة الأميركية ووزارة الخزانة تجاه مصارف عراقية متورطة بغسل الأموال وتهريب الدولار إلى إيران»، مطالبين الإدارة الأميركية «باتخاذ إجراءات عقابية بحق تلك المصارف وتشديد الخناق على عملياتها بالدولار»، كان لافتاً الترحيب والحفاوة التي لاقاها الوفد العراقي لدى زيارته واشنطن، ما يؤشر إلى أن الولايات المتحدة الأميركية خرجت من سياسة التردد في الموقف من العراق، باتخاذ قرار الاستدارة نحوه، في محاولة لمنع أو عرقلة الحضور الاقتصادي الروسي والصيني والإيراني فيه، وخاصة أن الموقف من طريقة معالجة تسديد الديون العراقية لروسيا وإيران ظل مبهماً وضبابياً في المفاوضات التي أجراها الوفد العراقي في واشنطن، بعد أن وعد وزير الخارجية فؤاد حسين نظيره الروسي سيرغي لافروف في المؤتمر الصحفي المشترك المنعقد ببغداد في الـ6 من شباط 2023، بمعالجة تلك الديون لدى زيارته واشنطن.

وما يعزز ذلك، تصريح فؤاد حسين لموقع «المونيتر» الإخباري، بحسب ما نشرته صحيفة «المدى» في الـ14 من شباط 2023، أن العراق يتوقع «أن يسدد ديونه لإيران وروسيا، هذا أمر لا بد منه، وحقيقة الأمر أن لديهما أموالاً في العراق، ولكننا لن نتخذ أي إجراءات تضر بالعراق والبنوك العراقية»! ومما يبدو أن الولايات المتحدة الأميركية تسعى لاستثمار المنصة الإلكترونية لعرقلة تسديد المستحقات المالية لروسيا وإيران ومن تشاء.

بعد الحديث لأشهر عن زيارة مرتقبة له لواشنطن، أعلن رئيس الوزراء محمد شياع السوداني في الـ12 من شباط 2023 خلال لقائه عدداً من رؤساء تحرير الصحف والإعلاميين، «عدم وجود أي نية لزيارة واشنطن، كما أن مكانة العراق لا تسمح لأي مفاوض أو شريك بالحديث إلا من خلال هذه المكانة الممتدة حضارياً وثقافياً، وضمن موقعه الإقليمي ودوره المحوري في المنطقة»، واللبيب من الإشارة يفهمُ.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن