من دفتر الوطن

الخروج إلى الجنة!

| عصام داري

نبحث عن ذواتنا طوال عمرنا، قد نصل إلى ضالتنا، وقد نتوه في الدرب، وقد نقنع أنفسنا بالتوقف عن البحث لإراحة البال والفكر والجسد.
قد نسافر عبر المجرات حلماً مستحيلاً لبلوغ ضفة نشعر فيها بالأمن والطمأنينة، وفي البعيد البعيد نكتشف أننا قريبون من هدفنا، وأن القريبين منك ليس بالضروري أن يكونوا في جوار القلب أو الروح والرغبة.
المسافات الشاسعة لا تكون عقبة أمام تواصل الأرواح، في حين نشعر أن مسافات هائلة تفصلنا عمّن يعسكرون على بعد أمتار معدودات منا، فالقضية ليست في بعد المسافات، وإنما في اختلاف الرأي والأفكار والأمزجة.
في بحثنا عن الأماكن والأزمنة وتقارب القلوب وتباعدها، نبحث في الوقت نفسه عن خبايا النفس البشرية، ولماذا ينبت الشر في نفوس، في حين يتفجر الخير في نفوس أخرى؟.
لماذا يصبح الحب عند بعض الناس عيباً وعاراً وجريمة أخلاقية يحاسب عليها قانون العشيرة بينما يحق لشيخ القبيلة أن يمتلك الجواري والقصور وكنوز الأرض و«ما ملكت أيمانه»؟.
الكراهية والحقد والبغضاء وكل الآثام والدنس في عالمنا، هل هي موروث جيني، أم هي وليدة البيئة الظالمة؟ وكم نساهم نحن كأشخاص في توطين هذه الصفات الرهيبة في نفوسنا، ونحول الإنسان الساكن فينا إلى مخلوق عجائبي لا يمت للبشر بصلة؟.
قد أكون ابتعدت قليلاً أو بعيداً عن الموضوع الذي بدأت فيه مقالتي، لكنني أعتقد بأن البحث في الذات الإنسانية مسألة غاية في الصعوبة والتعقيد، وتساهم فيه الفلسفة وعلم النفس وعلم الاجتماع وحتى الآراء والأمزجة الشخصية.
يبدو أنني أقحمت نفسي في متاهة لا نهاية لها، وأجد أن الحديث عن الجمال والسحر والحب، هو خير سبيل ينتشلني من هذه المتاهة البائسة.
وأرى كذلك أنني بحاجة إلى زورق من حلم، وجدول من نور وسحر ومشاعر وأحاسيس تنتمي إلى عصر الدهشة، كي أبتعد عن فلسفات تفسر العلاقات البشرية بعبارات جافة، وكلمات صلبة، وأسلوب تدريسي ربما مللنا منه، وربما وقعت في فخه مراراً.
أغرق في بحر من الحب من دون فلسفات وتفاسير، وكما قال نزار قباني: «.. ما قتل الحب سوى التفسير»، والحب هو أنشودة البشر على مر الأزمان، وذلك الشلال الهادر حيناً، الناعم أحياناً، وهو الأوكسجين الذي لولاه لمات الإنسان في داخلنا، وهو دفقة الحياة المنسابة وسط توحش الكره.
من قبل التاريخ كان الحب يرسم مسيرة البشرية، لحقته الرغبة، هذه المتوحشة المحبوبة، لتكمل صورة الحكاية بين أول آدم، وأول حواء، إلى نهاية البشرية على هذه الأرض الفانية.
والحب، كما أراه حالة انسجام بين شخصين تتسم بالرومانسية والرقة والحنان والإحساس بالتحليق في سماوات متناهية البعد والاتساع، أما الرغبة فهي فوضوية مشاكسة، مشاغبة، وواقعية تنزل الحب من عليائه إلى أرض الواقع المعيش، لكنها في الوقت نفسه هي ذروة متعة الحب.
يجب أن أعود إلى بداية مقالتي هذه التي قلت فيها إننا نبحث عن ذواتنا طوال عمرنا، وأنا أجدني الآن اكتشفت أحد أسرار ذاتي، وربما سأكتشف في المستقبل العديد من أسرار نفوسنا الغارقة في بحار من العقد، فهل ستغوصون في أعماقكم باحثين عن كنوز أسراركم الدفينة؟.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن