من دفتر الوطن

الفتنة ليست نائمة

| عبد الفتاح العوض

أمراض مزمنة في هذه البقعة من العالم.. وخلال هذه السنوات بدا واضحاً أن مناعة المجتمع تزداد سوءاً!

في سنوات ظهرت عشرات الفضائيات الدينية المختصة بإثارة الإشكاليات، وكل محطة إعلامية لبست طاقية طائفتها، وبدأت حملة الإساءات للطوائف الأخرى.

ثم ما إن بدأ عالم الإعلام الجديد يأخذ موقعه في هذا الفضاء حتى ولدت عشوائياً مئات وربما آلاف المنصات التي اعتبرت مهمتها زيادة جراح الأديان والطوائف، وأبدعت في ذلك شتماً وتطرفاً.

الآن يبدو أننا ننتقل إلى مستوى آخر له علاقة بالدراما، حيث يجري العمل على إنجاز مسلسلين، واحد عن معاوية والآخر عن «أبو لؤلؤة».

وفي هذا كلام كثير يمكن أن يقال.

لعل أبرز ذلك أن نسأل ما الفائدة من ذلك؟! فهل سيكون لذلك أثر ما على تخفيف التوترات الطائفية في المنطقة؟ وهل يمكن أن يدّعي أحد ما أنه يقرأ تاريخ هذه الشخصيات بالموضوعية والحيادية؟!

لنتحدث بصراحة.. معظم سير التاريخ كتبت بسيوف حادة، وبقلوب ملأى إما بمشاعر المحبة وإما بالكراهية، وخاصة عندما نتحدث عن شخصيات إشكالية إلى درجة النظر إليها كشياطين أو كملائكة في كلتا الحالتين هي ليست كذلك لها ما لها وعليها ما عليها.

ولن تستطيع أي منصات إلكترونية أو مسلسلات تلفزيونية أن تغير الكثير من الصور عن هذه الشخصيات، ولا يتوقع أبداً أن ينتقل الجمهور من محب إلى كاره.. أو من كاره إلى محب، فالقصة موغلة بالنفوس لدرجة لا يمكن تغييرها من خلال الترويج سلباً أو إيجاباً لشخصيات من هذا النوع، ثمة شيء لافت بشكل لونه، أبيض في هذه اللوحة السوداء.

المجتمع العربي والإسلامي لم يعد مهتماً بشكل كبير باستعادة هذه القصص المؤلمة، لا ذكرى ولا تكرار!

فلدى الناس أوجاع واهتمامات وأزمات أكثر من القدرة على تناسيها للاهتمام بقضايا تفرق بينهم.. فالمآسي وحدتهم، والأوجاع جمعتهم، فلماذا يعودون إلى الماضي وفي حاضرهم ما هو أسوأ من ماضيهم؟!

بالتأكيد لم يحصل المجتمع على لقاحات ضد الطائفية، وهناك الكثير من الصور النمطية والمعلومات المغلوطة عن الآخرين، لكن ليس هذا مهماً بالنسبة لمعظم العرب والمسلمين الآن، فالقصة لم تعد مجرد خلافات سياسية أو فكرية أو عقائدية.

حل كل الإشكاليات يمكن بالاعتماد على آية قرآنية واحدة تلخص الموقف من الماضي ورجالاته: «تلك أمة قد خلت لها ما كسبت ولكم ما كسبتم ولا تسألون عما كانوا يعملون».

بهذا الوضوح وهذا التلخيص يمكن النظر إلى ما جرى من دون أن نعيد جراحاً لا نعرف إلى أين تأخذنا.

يمكن أن تقوم حكومات الدول بالإعلان عن تجريم إثارة هذه النعرات ومنع عرضها واعتبار إنتاجها وبثها جرائم كراهية.

هذا النوع من إثارة الفتن هو إطفاء أضواء المستقبل والعودة إلى الماضي، أو بالأحرى إلى الأسوأ في الماضي.

الفتنة ليست نائمة.. إنها أخطر من كونها جمراً تحت رماد.. إنها بحر من دماء.

أقوال:

– دكاكين الطائفية بضاعتها الموت، البائع فيها والشاري منها مجرم.

– الطائفية مرض نفسي.

– لا تشتم إلهاً لا تعبده.

– من يشنقه صوت الماضي لا يستطيع مخاطبة المستقبل.

– أطلق سراح الماضي.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن