من دفتر الوطن

ضريبة إنجاب!

| فراس عزيز ديب

دائماً ماتعلو في الأزماتِ والكوارث أصوات لا أستسيغُ سماعها، الأولى تلكَ التي يُطلقها من يظنون بأن اللهَ لم يهدِ سواهم ويتحدثون عن العقابِ والعذاب، هؤلاء فعلياً من الواجبِ عدمَ إضاعةِ وقتنا بالردِّ عليهم، أما الطرف الثاني هو الذي يرى بأي حدثٍ أو كارثة كنوع من المؤامرة، كيف لا ونحن شعوب بتنا ننام على مؤامرة قذرة لنستيقظ على مؤامرةٍ أقذر، هؤلاء يريدونَ العودة بنا إلى الأساطير القديمة التي كانَت تفسِّر حدوثَ الزلازل مثلاً بأن الأرض محمولة على قرنِ ثور وحدوث الهزة يتم عندما يقوم هذا الثور بنقلِ الأرض من قرنٍ إلى آخر، يريدون إقناعنا بأن المتآمرين يحملون قطعة قماشٍ حمراء تجعل الثور يثور لحظةَ يشاؤون، مشكلة هؤلاء بأنهم يفكرون دائماً بمؤامراتِ الآخرينَ علينا ويتجاهلون تماماً مؤامراتنا نحن على أنفسنا، ولعل أهم مؤامرةٍ نعاني منها هي الأقوال التي لايعرف لها مصدر، رماها البعض في الموروث الاجتماعي لمآربَ خاصة فأصبحت أشبهَ بلازمةٍ موسيقية نكررها ساعةَ نشاء.

تحدثنا يوماً عن كذبةِ «لحوم العلماء مسمومة» وكيف من دسَّها أرادَ ببساطةٍ إعطاءَ من يظنون بأن الله لم يهدِ سواهم صكَّ براءة عن ما يرتكبونهُ من كوارث لدرجةٍ ممنوع فيها عليك التحدث عنهم لأنَّ عقابكَ من الله سيكون بـ»هتكِ أستاركَ»! أيضاً من بين هذه المقولات عبارة: «الولد بيجي وبتجي معو رزقتو».

في الحقيقة لا أعرف مصدر هذه المقولة وإن كانت تتردد في المجتمع بغزارةٍ حتى من أقربِ الناس إلينا، لكني حرفياً أراها من أعظم المؤامرات التي حيكت ضدنا، هي أشبهَ بإبرة مخدرٍ جعلت العالم العربي أحد أكثر المجتمعات ارتفاعاً بمعدلات المواليد والكثافة السكانية بما فيها مناطق السكن العشوائي و أكثرها انخفاضاً بمعدلاتِ التنمية لكون التنمية وعدم تحديد النسل خطين متوازيين لايلتقيان، ولعلَّ الكارثة هي من كشفت حجم مانعيشه من كوارث!

هناك من سيسأل، أليسَ تحديد النسل هو اعتراضاً على مشيئةِ الخالق؟

من يأخذ أي حديثٍ بهذا الاتجاه هدفه فقط إنهاء أي طرحٍ بالتكفير المبطن، كما أنه يتناقض مع بديهية أن «العائلة سيأتيها ما قُدِّر لها»، بذات السياق نحن لانتحدث هنا عن السماح بالإجهاض بمعزلٍ عن عمر الجنين (أستغفر الله)، نتحدث عن طريقة منطقية تجعل المجتمع قادراً على استيعابِ فكرةِ أن الأرزاق لا علاقةَ لها بكثرةِ الإنجاب، فعندما تحتاج علبةَ حليبٍ لطفلك ولا تملك ثمنها لأنه ببساطة طفلكَ العاشر لن يأتِي إليك من يرمي هذه العبارات ليهديكَ ماتشاء، نتحدث هنا عن آليات تجعل الخوف من إنجاب أكثر من ثلاثة أو أربعة أطفال قائماً، إذا كنا فعلياً مبدعين بإقرار الضرائب هنا وهناك، ماذا لو أقرت الحكومات ضريبة باهظةَ الثمن على الولد الرابع مثلاً؟! هذا الخوف سيجعل الأهل يلجؤون فعلياً لكل موانع تحديد النسل، طيب فماذا لو فكرنا باتجاهٍ آخر:

أليس لكل جريمةٍ عقاب؟ لا أعتقد أن هناك جريمة في هذا الزمن وفي هذا الشرقِ البائس أسوأ من السماح للعائلة بإنجاب أكثر من أربعة أطفال!

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن