تعيش السلة السورية في مرحلة حرجة وصعبة وخاصة على صعيد الاستقرار الذي مازال متفاوتاً وغير واضح نتيجة عدة أسباب يأتي في مقدمتها الزلزال المدمر الذي تعرضت له البلاد، فبعد سلسلة من النتائج المخيبة للآمال على صعيد المنتخبات الوطنية باتت السلة السورية مطالبة بالكثير من النتائج الجيدة والعودة إلى مرحلة التألق بعد توافر الإمكانات المادية.
احتراف خاطئ
تعلمنا في أدبياتنا أن المنطق لا يسمح لك ببحث النتيجة بعيداً عن أسبابها، كما أن الحس السليم يصر على أن تضع الحصان أمام العربة، إذا كنت تريد الوصول إلى هدفك في نهاية الطريق، وهكذا هي الأحلام تبدأ صغيرة، ونحلم بتحقيقها، وما إن تتحقق حتى نتركها ونتطلع لأحلام أكبر، حلمنا بدخول الاحتراف على سلتنا الحمد لله- تحقق-، ولكننا لم نستطع أن نحلم بالأفضل، لأننا كسرنا قاعدة التطلع، وبدأنا نطلق الآهات على أيام الهواية، عندما كنا نلهث بأقدام هاوية وراء كرة لا تملك من مقومات حضورها أكثر من الهواء الذي يحشو جوفها، والحب الذي يكنه لها أبناؤها، ماذا فعل فينا الاحتراف، هاتوا نادياً واحداً لم تثقله الأعباء المالية، اذكروا اسم لاعب لم يعلن حرده في ناديه بسبب فهمه الخاطئ للاحتراف، أشيروا لنا على فريق حافظ على مستواه لموسمين متتاليين بعد دخول الاحتراف، لنعترف أننا نفتقد النضج السلوي، وبأننا لم نتخلص من أميتنا السلوية، وبأن العديد من عناصر اللعبة يفتقد أبجديات اللعبة.
لن نظلم الاحتراف!
من المعروف أن الاحتراف هو السبيل الوحيد لتطوير أي رياضة، لكونه يبني اللاعب على أسس رياضية علمية بحتة، لكن احترافنا لم يكتمل، وجاء منقوصاً وباهتاً، وساهم في تراجع أنديتنا ورياضتنا دون أن ندري، ومن يمعن النظر في طريقة إدارتنا وتعاطينا للاحتراف، يدرك أننا لم نعرف من الاحتراف سوى تنظيم عقود اللاعبين والمدربين برواتب خيالية، وابتعدنا عن الثقافة الاحترافية الصحيحة، فبات هم اللاعب فقط ملء جيوبه بالأموال، دون أن يعرف ما له وما عليه، الشيء الذي جعل أنديتنا تئن تحت وطأة الأعباء المالية نتيجة تجاوزاتها للأنظمة المعمول بها في نظام الاحتراف، لذلك لن نظلم الاحتراف، فنحن ما زلنا نؤكد أن الاحتراف الصحيح هو الطريق الوحيد للارتقاء بمستوى سلتنا، والوصول بها إلى المستوى النوعي الذي يمكّنها من مجاراة المستويين العربي والقاري، لكن احترافنا كان أشبه بمن اشترى سيارة آخر موديل دون أن يجيد قيادتها، فالأنظمة والنصوص التي وضعت في نظام الاحتراف كان معظمها حبراً على ورق، لافتقادنا الأرضية المناسبة لزرع نبتة الوافد الجديد، والأهم من هذا كله عدم توافر الإمكانات المادية التي من شأنها الارتقاء بالاحتراف لتأتي فوائده اليانعة على مستوى رياضتنا، ومازلنا عند رأينا وقناعتنا بأن احترافنا لن ينجح، وسلتنا لن تتطور في ظل وجود إدارات هاوية، وغير ناضجة احترافياً، وهذا ينطبق على كل مفاصل اللعبة.
لذلك لابد من الارتقاء بالمسابقات المحلية (الدوري والكأس)، وارتفاع مستوى الأندية فردياً وجماعياً لا بد من أن ينعكس إيجاباً على المنتخبات الوطنية، فالدوري القوي لابد أن يفرز منتخباً قوياً، إلا أن هذا الأمر لم يحدث لدينا بعد مضي نحو عشر سنوات على دخول الاحتراف على أجواء سلتنا، والدليل تراجع منتخباتنا وأنديتنا في جميع الاستحقاقات، وخروجها من الأدوار التمهيدية دون أن تحقق أي نتائج توازي هذا الاحتراف، ما يوصلنا لنتيجة مفادها أن احترافنا غير ناضج، وبحاجة لإعادة تقييم بما يتماشى مع الواقع المزري الذي تعيشه سلتنا في ظل احتراف أعرج بقدم واحدة.
منتخبات في مهب الريح
تمر منتخبات السلة منذ سنوات طويلة في ظروف صعبة متعلق جلها بأخطاء متراكمة من الاتحادات المتعاقبة على اللعبة، والتي ساهمت في غياب أهم مقومات تطوير عمل هذه المنتخبات، ونتائجها على الصعيدين العربي والقاري، وقد حاول الاتحاد الحالي تجميل الصورة، لكن يبدو أن محاولات العطار لن تصلح ما أفسده الدهر، فواقع منتخبات السلة لا يبشر بالخير، نتيجة العمل العشوائي الذي بدا واضحاً على مسيرة الاتحاد منذ توليه مهامه، حيث كان له تأثير سلبي على طريقة الإعداد وتوفير الإمكانات المادية المتاحة، فبقيت هذه المنتخبات ومشاركاتها تدور في دائرة مغلقة دون أن يكون هناك بصيص أمل للخروج من عنق الزجاجة التي وجدت نفسها فيها.
علامة الصفر
سنمر سريعاً على معطيات الفشل في إعداد المنتخبات الوطنية، فالاتحاد يفتقر إلى الفنيين وبعض أعضائه ليسوا رياضيين، ما جعله يحلق بأجنحة غير فنية، فكانت النتيجة سقوطه في أكثر من محطة قارية، فالخسارة واردة إلا أن محطات التقييم بعد كل بطولة لم تكن ناجحة لدى الاتحاد الحالي، فظروف الإعداد هي هي، واللاعبون هم هم، وطرق الإعداد البدائية ما زالت على حالها، بالمقابل ازدادت الحجج والأعذار وتعددت الأسباب والموت واحد.
والحقيقة كانت دائماً مريرة، فنتائج منتخباتنا لم تتغير، ولم تتطور لا بل تراجعت ومني بخسارات قاسية، وفي المرحلة الحالية التي تعيشها البلاد، رغم وجود مدرب أجنبي لكنه دخل في متاهة وأدخل منتخبنا معه نتيجة عدم وجود مساءلة فنية وتقييم صحيح لعمله.
خلاصة
أيها السادة إذا أردنا أن نبني بناء متيناً، فلن نستطيع استبدال التراب بالإسمنت، ولا الحديد بالبلاستيك، والأفضل وقتها ألا نبني أبداً إذا كانت مقومات البناء غير متوافرة، وغير موجودة، وهذا ما ينطبق على منتخبات السلة في الفترة الحالية، فالأفضل لاتحاد السلة أن يعلنها على الملأ، ويقدم اعتذاره عن المشاركات الخارجية لمنتخباته، فذلك أفضل بكثير من المشاركة بعناوين قاتمة لا يمكن أن تبشر بغد مشرق، ونتائج جيدة لمنتخباتنا الوطنية، ونتائجنا في نهائيات آسيا الأخيرة كانت أكبر دليل على تراجع مستوى سلتنا الوطنية.