الخارجية الصينية تصدر تقريراً بشأن الهيمنة الأميركية … عززت التخريب وشن الحروب عمداً وألحقت الضرر بالمجتمع الدولي
| الوطن
أصدرت وزارة الخارجية الصينية، تقريراً بشأن الهيمنة الأميركية ومخاطرها، وذكرت أن التقرير يهدف لفضح إساءة استخدام الولايات المتحدة الهيمنة في مختلف المجالات، وجذب اهتمام دولي أكبر لمخاطر ممارسات واشنطن على السلام والاستقرار في العالم.
وقالت وزارة الخارجية الصينية في سياق تقرير حصلت «الوطن» على نسخة منه، إنه منذ أن أصبحت الولايات المتحدة أقوى دولة في العالم بعد الحربين العالميتين والحرب الباردة، زادت جرأتها للتدخل في الشؤون الداخلية للدول الأخرى وتعزيز التخريب وشن الحروب عمدا وإلحاق الضرر بالمجتمع الدولي.
وأشار التقرير إلى أن الولايات المتحدة طورت كتاباً عن الهيمنة لتنظيم «الثورات الملونة» والتحريض على النزاعات الإقليمية وحتى شن الحروب بشكل مباشر تحت ستار تعزيز الديمقراطية والحرية وحقوق الإنسان، وسعت إلى فرض قواعد تخدم مصالحها الخاصة باسم دعم «نظام دولي قائم على القواعد».
وأوضحت الوزارة أن التقرير يتكون من خمسة أجزاء رئيسية عن الهيمنة الأميركية في المجالات السياسية والعسكرية والاقتصادية والتكنولوجية والثقافية.
وفيما يتعلق بالهيمنة السياسية، أشارت الصين إلى أن الولايات المتحدة تحاول منذ فترة طويلة تشكيل دول أخرى وتغيير النظام العالمي بقيمه ونظامه السياسي، كما لفتت إلى كثرة حالات التدخل الأميركي في الشؤون الداخلية للدول الأخرى باسم «تعزيز الديمقراطية»، وضربت أمثلة على ذلك بالتحريض الأميركي على قيام «الثورات الملونة» في أوراسيا، وتدبير ثورات «الربيع العربي» في غرب آسيا وشمال إفريقيا، ما أدى إلى الفوضى في العديد من الدول.
كما وصف التقرير سياسات الحكومات الأميركية المتعاقبة تجاه أميركا اللاتينية ومنطقة البحر الكاريبي بالتدخل السياسي والتدخل العسكري وتخريب النظام، وقال إن الولايات المتحدة تمارس معايير مزدوجة في القواعد الدولية، إذ وضعت واشنطن مصلحتها الذاتية أولا وابتعدت عن المعاهدات والمنظمات الدولية ووضعت قانونها المحلي فوق القانون الدولي.
وذكر التقرير أن الولايات المتحدة تصدر أحكاماً تعسفية على الديمقراطية في البلدان الأخرى، وتلفق روايات كاذبة عن «الديمقراطية مقابل الاستبداد» للتحريض على القطيعة والانقسام والتنافس والمواجهة، ففي كانون الأول 2021 استضافت الولايات المتحدة أول «قمة من أجل الديمقراطية» التي قوبلت بالنقد والمعارضة من العديد من الدول لأنها استهزأت بروح الديمقراطية وتقسيم العالم، وفي آذار 2023 ستستضيف الولايات المتحدة «قمة من أجل الديمقراطية» أخرى التي تظل غير مرحب بها ولن تجد أي دعم مرة أخرى.
وفيما يتعلق بالهيمنة العسكرية، ذكر التقرير إلى أن «تاريخ الولايات المتحدة يتسم بالعنف والتوسع، وأنه منذ أن حصلت الولايات المتحدة على استقلالها عام 1776 سعت باستمرار إلى التوسع بالقوة فذبحت الهنود وغزت كندا وشنت حرباً ضد المكسيك، واستغلت هيمنتها العسكرية لتمهيد الطريق لأهداف توسعية، وفي السنوات الأخيرة تجاوز متوسط الميزانية العسكرية السنوية للولايات المتحدة 700 مليار دولار أميركي، وهو ما يمثل 40 بالمئة من الإجمالي العالمي، وللولايات المتحدة نحو 800 قاعدة عسكرية في الخارج، مع انتشار 173 ألـف جندي في 159 دولة».
وذكر كتاب بعنوان «أميركا تغزو: كيف غزونا أو تورطنا عسكرياً مع كل بلد تقريباً على وجه الأرض» أن الولايات المتحدة قاتلت أو شاركت عسكرياً تقريباً مع جميع الدول الـ190 الفردية المعترف بها في الأمم المتحدة مع ثلاثة استثناءات فقط، وهي ثلاث دول «نجت» لأن الولايات المتحدة لم تجدها على الخريطة، كما قال الرئيس الأميركي الأسبق جيمي كارتر إن الولايات المتحدة هي بلا شك الدولة الأكثر حروباً في تاريخ العالم.
وأشار تقرير لجامعة «تافتس» الأميركية إلى أنه في الفترة من عام 1776 إلى 2019 نفذت الولايات المتحدة ما يقرب من 400 تدخل عسكري على مستوى العالم.
ورأى تقرير الخارجية الصينية أن «الهيمنة العسكرية الأميركية تسببت بمآس إنسانية، فمنذ عام 2001 أودت الحروب والعمليات العسكرية التي شنتها الولايات المتحدة باسم محاربة الإرهاب بحياة أكثر من 900 ألف شخص منهم 335 ألفاً من المدنيين وشردت عشرات الملايين».
وفيما يتعلق بالهيمنة الاقتصادية، أضاف التقرير إنه «بعد الحرب العالمية الثانية قادت الولايات المتحدة الجهود لإنشاء نظام بريتون وودز وصندوق النقد الدولي والبنك الدولي التي شكلت مع خطة مارشال النظام النقدي الدولي الذي يتمحور حول الدولار الأميركي، ومن خلال الاستفادة من مكانة الدولار كعملة احتياطية دولية رئيسية تقوم الولايات المتحدة بشكل أساسي بجمع العملات الأجنبية من جميع أنحاء العالم، وباستخدام سيطرتها على المنظمات الدولية فإنها ترغم الدول الأخرى على خدمة الإستراتيجية السياسية والاقتصادية لأميركا».
وأكد التقرير الصيني أن «هيمنة الدولار الأميركي هي المصدر الرئيس لعدم الاستقرار في الاقتصاد العالمي، فخلال جائحة كوفيد19 أساءت الولايات المتحدة استخدام هيمنتها المالية العالمية وضخت تريليونات الدولارات في السوق العالمية، تاركة دولاً أخرى وخاصة الاقتصادات الناشئة تدفع الثمن، وفي عام 2022 أنهى البنك الاحتياطي الفيدرالي سياسته النقدية «فائقة السهولة وتحول إلى رفع حاد لأسعار الفائدة ما تسبب بحدوث اضطراب في السوق المالية الدولية وانخفاض كبير في قيمة العملات الأخرى، ونتيجة لذلك واجه الكثير من الدول النامية تحديات تتمثل في ارتفاع معدلات التضخم وانخفاض قيمة العملة وتدفقات رأس المال إلى الخارج».
وحول الهيمنة التكنولوجية، أفاد التقرير بأن «الولايات المتحدة تسعى إلى ردع التنمية العلمية والتكنولوجية والاقتصادية للدول الأخرى من خلال ممارسة القوة الاحتكارية وإجراءات القمع والقيود التكنولوجية في مجالات التكنولوجيا الفائقة، والولايات المتحدة تحتكر الملكية الفكرية باسم الحماية، وتجني أرباحاً مفرطة من خلال هذا الاحتكار»، مشيراً إلى أنه في ثمانينيات القرن الماضي «ولاحتواء تطور صناعة أشباه الموصلات في اليابان أطلقت الولايات المتحدة التحقيق 301 وبنت قوة تفاوضية في المفاوضات الثنائية من خلال الاتفاقات المتعددة الأطراف، وهددت بأن اليابان تجري تجارة غير عادلة وفرضت تعريفات انتقامية، ما أجبر اليابان على التوقيع على اتفاقية أشباه الموصلات الأميركية اليابانية، ونتيجة لذلك تم طرد شركات أشباه الموصلات اليابانية بالكامل تقريباً من المنافسة العالمية وانخفضت حصتها في السوق من 50 إلى 10 بالمئة، ودعمت الحكومة الأميركية انتهاز عدد كبير من شركات أشباه الموصلات الأميركية الفرصة واستحوذت على حصة سوقية أكبر».
ورأت الخارجية الصينية أن «الولايات المتحدة تقوم بتسييس القضايا التكنولوجية وتسليحها واستخدامها كأدوات أيديولوجية، وحشدت سلطة الدولة لقمع ومعاقبة شركة «هواوي» الصينية وقيدت دخول منتجاتها إلى السوق الأميركية وقطعت إمداداتها من الرقائق وأنظمة التشغيل، كما اختلقت الولايات المتحدة عدداً كبيراً من الأعذار لتضييق الخناق على شركات التكنولوجيا الفائقة الصينية ذات القدرة التنافسية العالمية ووضعت أكثر من ألف شركة صينية على قوائم العقوبات، كما تستغل الولايات المتحدة هيمنتها التكنولوجية لشن هجمات إلكترونية وسرقة البيانات والتلاعب بتطبيقات الأجهزة المحمولة واختراق الخوادم السحابية والسرقة عبر الكابلات الموجودة تحت سطح البحر».
وفيما يتعلق بالهيمنة الثقافية، أوضح التقرير أن التوسع العالمي للثقافة الأميركية يعتبر جزءاً مهماً من إستراتيجيتها الخارجية، إذ استخدمت الولايات المتحدة الأدوات الثقافية لتقوية هيمنتها في العالم والحفاظ عليها، مضيفاً إن الولايات المتحدة ترسي القيم الأميركية وأسلوب الحياة في منتجاتها مثل الأفلام والبرامج التلفزيونية والمحتوى الإعلامي.
وأشار إلى أن «الهيمنة الثقافية الأميركية لا تظهر نفسها في التدخل المباشر فحسب، بل تظهر أيضاً في التسلل الإعلامي، فتلعب وسائل الإعلام الغربية التي تهيمن عليها الولايات المتحدة دوراً مهما في تشكيل الرأي العام العالمي لمصلحة تدخل الولايات المتحدة في الشؤون الداخلية للدول الأخرى، كما تفرض الحكومة الأميركية رقابة صارمة على جميع شركات وسائل التواصل الاجتماعي، واعترف الرئيس التنفيذي لشركة «تويتر» إيلون ماسك في 27 كانون الأول 2022 بأن جميع منصات التواصل الاجتماعي تعمل مع حكومة الولايات المتحدة لفرض رقابة على المحتوى».
وأضاف التقرير إن «الولايات المتحدة تمارس معايير مزدوجة بشأن حرية الصحافة، فهي تقمع بوحشية وسائل الإعلام في الدول الأخرى وتسكتها بوسائل مختلفة، كما تمنع الولايات المتحدة وأوروبا وسائل الإعلام الروسية السائدة مثل «روسيا اليوم» و«سبوتنيك» من دخول بلادهم، وتقيد منصات مثل «تويتر» و«فيسبوك» و«يوتيوب» بشكل علني الحسابات الرسمية لروسيا، كما أزالت «نتفليكس» و«أبل» و«جوجل» القنوات والتطبيقات الروسية من خدماتها ومتاجر التطبيقات، وتم فرض رقابة صارمة غير مسبوقة على المحتويات المتعلقة بروسيا.
واختتمت وزارة الخارجية الصينية تقريرها بالقول إن «ممارسات الهيمنة والاستبداد والبلطجة المتمثلة في استخدام القوة لتخويف الضعيف والاستيلاء على الآخرين بالقوة والحيلة تلحق أضراراً جسيمة، وقد أثارت ممارسات الهيمنة الأحادية والأنانية والرجعية هذه انتقادات ومعارضة متزايدة ومكثفة من المجتمع الدولي، فالدول تحتاج إلى احترام بعضها لبعضها الآخر ومعاملة بعضها لبعضها الآخر على قدم المساواة، ويجب على الدول الكبرى أن تتصرف بطريقة تليق بمكانتها وأن تأخذ زمام المبادرة في اتباع نموذج جديد للعلاقات بين دولة ودولة يتسم بالحوار والشراكة وليس المواجهة أو التحالف».
وأكدت الخارجية الصينية أن بكين تعارض كل أشكال الهيمنة وسياسة القوة وترفض التدخل في الشؤون الداخلية للدول الأخرى، وأنه «يجب على الولايات المتحدة إجراء بحث جاد عن النفس وأن تدرس بشكل نقدي ما قامت به وتتخلى عن ممارساتها المهيمنة والاستبدادية».