قضايا وآراء

تراجع الثقة بمستقبل الكيان الإسرائيلي

| تحسين حلبي

بنيامين شفارتس من اليهود الأميركيين، رئيس تحرير سابق لمجلة «ذا أتلانتيك» الأميركية ومؤلف كتاب عن وينستون تشرتشيل رئيس حكومة بريطانيا في أثناء الحرب العالمية الثانية -1939-1945، في أيار 2005 تساءل في مقال بعنوان: «هل ستبقى إسرائيل موجودة لمئة عام؟» أي خلال السنوات العشرين المقبلة، وقال في تحليله إن «أكثر ما صدمني هو ما كرره عدد من الإسرائيليين ومعظمهم من الصهيونيين حين قالوا نادمين: كان علينا أن نأخذ أوغندا دولة لنا حين قدمتها بريطانيا للقيادة الصهيونية عام 1903، فقد أثبت التاريخ أن لدينا هنا مشاكل كثيرة لا نستطيع حلها».

في17 شباط عام 2015 بعد عشرة أعوام على ما ذكره شفارتس، أعد المفكر الصهيوني والروائي الشهير في الكيان الإسرائيلي عاموس عوز محاضرة قرأ نصها في ندوة سياسية عقدها له «معهد أبحاث الأمن القومي الإسرائيلي – INSS» الذي يعد من أهم مراكز الأبحاث الأمنية الإستراتيجية في الكيان ويديره عادة أهم العقول العسكرية والسياسية التي تولت مناصب رفيعة في دوائر الأبحاث والدراسات في هيئة الأركان وأقسام أبحاثها الاستخباراتية الإستراتيجية، وقال علناً في تلك الندوة: «ربما أرى من هذا المنبر ضرورة للكشف أمام هذا الحضور عن أهم سر أمني نحرص عليه ويخضع للرقابة وهو أننا فعلاً أضعف من كل أعدائنا مجتمعين، فأعداؤنا كان من الممكن لهم بسهولة أن يرسلوا لنا مليونين أو ثلاثة ملايين من المقاتلين المجهزين بالأسلحة، ولو فعلوا ذلك لما كنا الآن هنا، لكنهم لم يرسلوا لنا أبداً سوى ما يزيد على عشرات الآلاف من المقاتلين»، وفي محاضرته هذه يعترف عوز قائلا: «سوف أخبركم الآن عن أمر ما مختلف ويثير النزاع في هذه القاعة وهو أننا منذ حرب حزيران 1967 لم نحقق أبداً أي انتصار في أي حرب بما في ذلك حرب يوم كيبور (حرب تشرين 1973) ففي الحرب حتى لو أحرقنا دبابات أكثر مما أحرق العدو، وأسقطنا المزيد من طائرات، وقتلنا المزيد من جنوده وقمنا بغزو أراضي العدو، فهذا لا يعني أننا انتصرنا في هذه الحرب، فالمنتصر هو من يحقق أهدافه والخاسر هو من لا يحقق أهدافه ونحن لم نحقق كما نرى الآن أي هدف لنا».

ويبدو أن هذا ما يثبته الواقع لأن جيش الاحتلال لم يستطع الاحتفاظ بما احتله في لبنان عام 1982 ولا بما احتله في قطاع غزة عام 1967، ففقد جزءاً مهماً من امتداده التوسعي بعد أن فرضت عليه المقاومة من سورية والقوى الوطنية والإسلامية والفلسطينية على أرض لبنان، الهزيمة عام 2000 وأجبرته على الانسحاب دون قيد أو شرط، وفي عام 2005 فرضت عليه المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة سحب قواته ومواقعه العسكرية ونزع مستوطناته لأول مرة في تاريخ الصراع العربي الصهيوني.

يعترف عدد من قادة جيش الاحتلال بأن من يحقق هذه النتائج يستحيل أن يتوقف عندها، مثلما يستحيل على جيش الاحتلال استعادة الأراضي التي انسحب منها وإعادة ميزان القوى مع هذه الأطراف إلى سابق عهده للمصلحة الإسرائيلية الحاسمة، فشعلة المقاومة لم تنطفئ منذ أكثر من ستة عقود، وحتى حين تعرضت لخروج مصر من دائرتها المسلحة وبقيت سورية وفصائل المقاومة الفلسطينية واللبنانية في ساحة الصراع المستعار، ازدادت شعلة المقاومة لهيباً واتسعت دائرتها لتشمل قوى لبنانية وطنية وإسلامية ودولة إقليمية كبرى هي الجمهورية الإسلامية الإيرانية، وبهذا الشكل أصبحت قوى محور المقاومة يستحيل على الكيان تجاوز دورها وجدول عملها الذي اتسعت دائرته وتزايدت قدراته، وهذا ما جعل شخصية يهودية سياسية صهيونية أميركية يتذكر في عام 2005 أن نسبة من الإسرائيليين أعربوا عن ندمهم لعدم الاستيطان في اوغندا بدلاً من فلسطين التي لم تتوقف عن المقاومة، وهذا ما جعل أهم مفكر إسرائيلي معاصر مثل عاموس عوز يعلن في عام 2015 أمام أهم مركز أبحاث قومي في الكيان أن «إسرائيل لم تحقق أي انتصار على أعدائها منذ عام 1967 حتى الآن».

وإضافة إلى ذلك تمكنت المقاومة من إحباط كل ما حلم الكيان بتحقيقه في اتفاقات أوسلو التي فرض الشعب خلال سنواتها وجوده بسبعة ملايين، فزاد عدده عن المستوطنين منذ عام 1948 حتى الآن وظهرت في جنوبه عند قطاع غزة جبهة حرب حرة وإن كانت محاصرة، تضم أكثر من مليونين من المتأهبين لاستمرار مسيرة التحرير، وها هي الأراضي المحتلة تزداد شعلة المقاومة فيها يوماً تلو آخر.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن