ما من شك أن ملفات محلية كثيرة تزال تحتاج إلى علاج حاسم، لعل من أهمها، انخفاض القيمة الشرائية لرواتب العاملين والمتقاعدين إلى مستويات متدنية جداً، ومنها أيضاً موضوع الزيادة المستمرة على أسعار المواد الغذائية الأساسية، وثمة على هذا الصعيد، تفاقم أزمة النقل الداخلي بسبب قلة عدد الباصات واهتراء أغلب الميكروباصات وعدم التزامها بخطوطها وبساعات عمل ملائمة لتخديم آلاف المواطنين ولاسيما من المدن إلى الأرياف.
وبدهي أنه لا يجوز التغاضي عن التأثير السلبي لهذه الملفات في حركة الحياة في سورية، ما يتطلب جهداً استثنائياً تضطلع به كل الوزارات بحماسة هائلة لإنجاز ما يمكن إنجازه للتخفيف من الأوجاع الناجمة، عن تلك الأزمات المعيشية المتفاقمة.
بيد أن الأولوية في الجهد الوطني الرسمي والشعبي، يجب أن تعطى، لتدابير تداعيات زلزال السادس من شهر شباط الماضي.
توافرت مساعدات عينية كثيرة من مصادر محلية وخارجية، أمنت رعاية غذائية وطبية جيدة للمنكوبين وهم كثر.
ويبقى المأوى الدائم الذي أفقدهم إياه الزلزال هو الأهم، وثمة لغط على هذا الصعيد يتناقض مع المنطق أولاً، ومع خطة التعافي طويلة الأمد التي تبناها مجلس الوزراء مؤخراً، ويحاول هذا اللغط التلاعب بالألفاظ عبر التمييز بين الرسوم والضرائب التي أعفى القانون منها أولئك الذين تضررت بيوتهم بسبب الكوارث والحروب، وأتعاب المكاتب الهندسية بصفتها قطاعاً خاصاً، وهي أتعاب إعادة بناء البيوت غير المرخصة وأتعاب الإشراف.!
ولعل الترجمة الحرفية لكلمة أتعاب هي الأجور، أي الأموال التي سيدفعها من تهدم بيته وفقد بعضاً من أفراد عائلته وجل أمواله ومدخراته وخرج بالبيجاما من تحت الأنقاض.
الرسوم والضرائب هي أموال، ونص القانون على الإعفاء منها، والأتعاب (والأمر متعلق) بالبيوت التي دمرها الزلزال، هي أيضاً أموال.
بمعنى أن فقه الإعفاء كامن بعدم توافر الأموال لدى المنكوبين.
لا نطالب المكاتب بأن تعمل مجاناً، لكننا نذهب إلى نص خطة التعافي الحكومية:
1- دراسة كل الخيارات للتعويض على المتضررين.
2- الاعتماد على الشركات العامة الإنشائية.
3- السعي إلى تأمين مسكن لمن فقدوا مساكنهم.
4- بناء تجمعات سكنية سريعة الإنشاء.
إذاً، بالاستناد إلى هذه الخطة نصون منطوق القانون العام -وهو الأقوى- وقد نص على الإعفاء من الضرائب والرسوم المالية والتكاليف المحلية والرسوم الأخرى المترتبة على إعادة البناء. (القانون رقم 23 لعام 2015)، ونذهب إلى اضطلاع الشركة العامة للدراسات الهندسية، بالدراسات والتصاميم والإشراف مجاناً بصفتها شركة حكومية يمكن أن يمول احتياجاتها صندوق دعم المنكوبين، وقد تذهب إلى نموذج موحد لمئات ألوف الشقق، في ضواح سورية جديدة، تنفذها الشركات العامة الإنشائية، وبالتعاون مع دول صديقة أبدت الرغبة في المساعدة بموضوع المساكن مثل إيران والإمارات العربية المتحدة.
يحتاج هذا الطموح المشروع في إعادة المواطنين السوريين الأعزاء –المنكوبين- إلى بيوت دائمة، إلى رفد سخي للصندوق الوطني لدعم المنكوبين بزلزال السادس من شباط، من مصادر سورية محلية ومغتربية، وهذا يتطلب تأجيج عمل سفاراتنا في الدول الصديقة ولاسيما في أميركا اللاتينية، عبر إقامة ندوات للجاليات السورية، سواء في السفارات أم الأندية، وشرح الاحتياجات الكبيرة وحشد أكبر قدر من المعونات المالية لمصلحة تأمين سكن لمن أفقدهم الزلزال مساكنهم.
وثمة رافد آخر هو المنظمات الإنسانية الدولية، والدول الصديقة ذات القدرة على المساعدة في مجال بناء المساكن، مثل الصين وإيران، وكنا أشرنا في مقالة سابقة إلى إنجاز جمهورية إيران الإسلامية الصديقة لسبعة آلاف مسكن ومتجر في ثلاث سنوات ونصف السنة في الضاحية الجنوبية في بيروت بعد التدمير الإسرائيلي الوحشي لها.
إن منكوبي الزلزال يحتاجون دعماً سخياً يبلسم جراحهم، ولا يجوز أن نطالبهم –أبداً- بأي أتعاب.