ثقافة وفن

المرأة روح لا تتحول

| إسماعيل مروة

أيتها المرأة الباقية على الدوام.. بيديك حدب وعطف، وبروحك فيض حنان وأمان.. كل الأيام عيدك أيتها القديسة، حضورك طاغ في الوجود والرحيل.. لا تغادرين الوليد الذي عرّش فيك ليكون.. استمدّ منك كينونته، وكم افتديته بتعب وسهر ومرض، وكم نذرت روحك لابن رحمك.. وكم وكم..؟!

وكم سعدت وأنت ألم لسعادته..؟! كنت أماً.. كنت أختاً.. كنت زوجة.. كنت ابنة.. كنت حبيبة.. وفي كل أدوار كينونتك كنت الافتداء الذي يعجز عنه المرء في مسيرة الحياة، قد لا يتمكن الإنسان من معرفة مقدار جودك وتضحيتك! وقد يقابل المرء كل ما تفعلين بكثير من اللامبالاة، أو من التقدير لكنه يعجز عن التعبير، بسمتك عالم من الحب الذي ينهمر في روحه ولا يعطيه فرصة للحديث، وكلما أراد أن يشكرك زاد انهمارك، وكثر عطاؤك وصار يلوب بحثاً عن ذاته المنطمرة في كل ثنية من ثنايا روحك.

المسي وجهك المقدس.. فكل ثنية فيها حكاية عطاء، وكل مسام من مساماته تشكل ليعطي سعادة لهذا الذي ترعاه عيناك.

الحياة أنثى
الحضارة امرأة
البطولة أم
في كل حياتنا لا وجود لغيرها، فهي الأب والأم والدافع والحاضن والراعي..
الخطوات هي من يحرسها
الدعاء هي من ينسج حروفه
السماء أنثى تهمي بمطرها في جوف الإنسان
والقطرة أنثى تنقذ العطشان من موت
والمعركة أنثى تخوضها الأم نيابة عنك لتحيا أنت وتستريح هي..
من عليائها تتجلى سماء
ومن عينيها تتدلى النجوم
ومن غرسها تزرع لك الأقمار
ومن بسمتها تستخرج دفء الشمس ونهارات الدفلى..
بيديها تزرع الياسمين لتعطر جبهتك
وبيديها تفرك الورود التي تأتيها بها لتعطيها العبق..
وحدها تعطي الورد نكهته
ومن راحتها يصبح للعطر طعم آخر ورائحة أخرى..
على تنورها تخبز روحها لتطعمك وتجعل روحك أنقى
وبيدها تمسح ما علق من خير الأرض لتكتنزه لك..
وهل مثل الأم في كل جانب؟
وهل يعادل المرأة شيء في الوجود؟
جعلوا لها يوماً للذكرى والتذكر والاحتفال، وهي كل الأيام، هي ساعة الفجر الأولى، وساعة الليل الأخيرة، تغسل عينيك عند اليقظة، وتحميك في غفوتك، وتسهر تدعو لتغسل عينيك مرة أخرى.
هي ساعة لا تمضي مع الزمن الآبق..
هي روح لا تتحول عن مسارها..
هي التي قبلت طواعية أن تكون أضحية ومجدلية..
أيتها الأم المقدسة
أيتها المرأة المغمسة بعطر بدء الخلق
في وجودك وفي رحيلك الطويل يا أم
تنوس ضحكتك الحنون ساخرة من تفكيري بغيابك وأنت تهمسين:
أنا أم.. والأم لا تموت
أنا حياة.. والحياة لا نهاية لها..
أنا قداسة.. والقداسة تحميك من نفسك قبل غيرك
ما لون الضياء؟
ما طعم الماء؟
ما متعة الحرف؟
لو لم تكوني تساوت الأشياء والنور والظلماء
وجودك أعطى الحياة قيمة أخرى
وأنا أرقبك وأنت هناك خلف غلالة في السماء
لك القداسة وكل عام وأنت بخير..

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن