في ظل الأوضاع المعقدة والمتداخلة على مستوى النظامين الإقليمي الشرق أوسطي والدولي العالمي، يشهد الكيان الإسرائيلي العديد من التطورات السلبية والتي تنبئ بانفجار مؤكد في بنيته الداخلية الديمغرافية أو في محاولته تصدير أزماته نحو الخارج للهروب خطوة نحو الأمام.
لم يعد وصول فئة أو نخبة سياسية متطرفة للسلطة هو الشغل الشاغل أو العامل المقلق والمفجر للأوضاع على المستويين الداخلي والخارجي، بل تراكمت العوامل والمؤشرات البنيوية والموضوعية التي تؤكد حتمية الانفجار أو تأزم الوضع، ولاسيما في ظل تزايد دور وتأثير اليمين المتطرف على المستوى الحكومي وتحول رئيس حكومة العدو الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بعد تقديمه العديد من التنازلات لهذا اليمين، الحلقة الأضعف في المشهد الكلي، إذ كان من المتوقع أن يتحول تدريجياً لشخصية مرتهنة فاقدة السلطة بعد سعيه لضمان تشكيل الحكومة للمرة السادسة وبقائه على قمة الهرم السياسي إضافة إلى التخلص من قضايا الفساد التي أثبتت إدانته بها.
أما فيما يتعلق بأبرز المؤشرات التي تسرع من وتيرة الانفجار على المستوى الداخلي أو التي تؤدي نحو مغامرة إقليمية، فتتمثل في النقاط التالية:
أولاً- سعي المتطرفين الإسرائيليين أمثال وزير الأمن القومي في الحكومة إيتمار بن غفير ووزير المالية بتسلئيل سموتريش للمزايدة في تطرفهم، سواء من حيث تمسكهم بإجراء انقلاب في السلطة القضائية، أم بدعمهم وتشجيعهم لتشكيل قوات متطرفة تحت مسميات عدة على شاكلة عصابات «هاغانا والأرغون» ومجموعة ما يعرف بـ«حراس الهيكل» وغيرها من التسميات، بهدف امتلاكهم قوة أمنية وعسكرية تكون مهمتها تنفيذ أطماع المتطرفين ضد العلمانيين اليهود أو للتعبير عن عنصريتهم تجاه العرب الفلسطينيين.
ثانياً- ارتفاع وتيرة التظاهرات الاحتجاجية بشكليها العمودي والأفقي على مستوى الديموغرافية والنخب الإسرائيلية، إذ لم تعد تقتصر هذه التظاهرات، التي تنامت بشكل ملحوظ حتى بلغ عدد المشاركين بها مؤخراً أكثر من 400 ألف متظاهر، على العلمانيين أو ما يعرف باليسار، بل انضم إليها باقي فئات المستوطنين من سياسيين وكذلك جنود وضباط جيش الاحتياط ومن المحتمل أن تنضم باقي فئات هذا «الكيان المركب»، بما في ذلك القضاة، وهو ما حذرت منه صحيفة «يديعوت أحرونوت» الإسرائيلية في إشارتها إلى قوة الشرخ في إسرائيل على الصعد السياسية والعسكرية والاجتماعية، والذي عمقه مشروع رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو بشأن التعديلات القضائية.
ثالثاً- قيام المتطرفين وبغطاء سياسي ورسمي من أعضاء هذه الحكومة بارتكاب مجازر ضد الفلسطينيين، كما يحصل في جنين أو ما حصل منذ أيام في بلدة حوارة جنوب نابلس، ودعوة بتسلئيل سموتريش، لمحو البلدة وتغاضي الأجهزة الأمنية الإسرائيلية عن هذه المجزرة، إلى جانب تزايد رقعة الاستيطان وارتفاع مؤشرات الاستفزاز ضد الفلسطينيين عبر مصادرة ممتلكاتهم وتهجيرهم من بيوتهم بذرائع متعددة.
رابعاً- القلق الأميركي من تصاعد هذا التطرف وتناميه بشكل يضر بمصالح الولايات المتحدة الأميركية والكيان على مستوى المنطقة أمنياً وعسكرياً وسياسياً، إذ تخشى واشنطن من أن يكون هذا التطرف أداة تدمير داخلي للكيان بما في ذلك دخولها في أتون الحرب الأهلية، أو يدفع هذا التطرف نحو تصدير الأزمة للخارج ضد الفلسطينيين أو إحدى الدول الإقليمية في الجبهة الشمالية أو باتجاه إيران، ولاسيما بعد اتهام نتنياهو بشكل مباشر للجمهورية الإسلامية الإيرانية بقدرتها على امتلاك قنبلة ذرية خلال أيام، ومما يفسر هذا القلق هو ازدحام الزيارات المتبادلة بين المسؤولين الأميركيين ونظرائهم الإسرائيليين على المستويين الأمني والعسكري، كان آخرها زيارة رئيس هيئة الأركان المشتركة للجيوش الأميركية الجنرال مارك ميلي، نهاية الأسبوع الماضي إلى تل أبيب، وزيارة وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن للكيان بالتزامن مع زيارة وزير الشؤون الإستراتيجية في الحكومة الإسرائيلية رون ديرمر، إلى واشنطن، برفقة مستشار الأمن القومي تساحي هنغبي، وهو ما اعتبرته بعض الصحف الأميركية وفي مقدمتها «فورين بوليسي» أن الدعم الأميركي غير المحدود لإسرائيل هو السبب الرئيسي لتنامي اليمين المتطرف ويمنح الضوء الأخضر لنتنياهو في ظل غياب الحزم الأميركي الحقيقي تجاه سلوك حكومة نتنياهو.
هذه المؤشرات وغيرها قد تضعنا أمام مجموعة من السيناريوهات في حال تصاعد التوتر داخل ما يسمى إسرائيل وفق المسارات التالية:
السيناريو الأول: استمرار قيام وزير الأمن بن غفير وشركائه المتطرفين بتنفيذ تهديداتهم وإطلاق النار على المستوطنين المتظاهرين في الاحتجاجات المقبلة، وهو ما سيترتب عليه صراع داخلي على المستوى الاجتماعي والقضائي والسياسي وحتى الأمني، بما في ذلك اتساع الانقسام داخل المجتمع الإسرائيلي، ما يعرض هذه الحكومة لضغوط خارجية أو تراجع في العلاقة معها.
السيناريو الثاني: دفع المتطرفين بميليشياتهم للشارع مدججين بالسلاح وقيامهم بترويع المستوطنين، وهنا سنكون أمام احتمال مشهد اشتباك العلمانيين والمتدينين وبين الشرطة والجيش من جهة والمتطرفين من جهة ثانية، ما يضع إسرائيل على حافة الحرب الأهلية.
السيناريو الثالث: تصدير الأزمة إما عبر تصعيد التطرف ضد الفلسطينيين في الضفة الغربية وإما تجاه الأسرى مع اقتراب شهر رمضان والأعياد اليهودية، أو عبر القيام بمغامرة إسرائيلية نحو الخارج من خلال شن الكيان لاعتداء مصغر على الأراضي اللبنانية أو على سورية أو حتى إيران، وما نخشاه في هذا السيناريو أن يقدم المتطرفون على ارتكاب المزيد من المجازر الجماعية بحق الفلسطينيين، بهدف ترويع المستوطنين في محاولة لتلافي الصدام المباشر والحرب الأهلية، مما قد يشعل هبة كرامة جديدة في تكرار لمعركة «سيف القدس» ولكن هذه المرة ستكون تداعياتها مزلزلة على الكيان.