وصل وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن إلى بغداد في الـ7 من آذار الجاري، هابطاً بطائرته في قاعدة فكتوريا قرب مطار بغداد الدولي، في زيارة لم تكن معلنة مسبقاً ضمن برنامج جولته الشرق أوسطية التي بدأها في الـ5 من آذار 2023 من الأردن شاملة مصر وإسرائيل التي ختم بها زيارته للمنطقة في الـ9 من آذار الجاري.
وزير الدفاع الأميركي التقى في بغداد رئيس الوزراء محمد شياع السوداني ووزير الدفاع ثابت العباسي، ثم انتقل إلى أربيل ليلتقي رئيس إقليم كردستان نيجرفان بارزاني ورئيس الحزب الديمقراطي الكردستاني مسعود بارزاني.
أوستن، قال في مؤتمر صحفي عقب لقائه رئيس الوزراء ووزير الدفاع العراقيين: إن «القوات الأميركية جاهزة للبقاء في العراق بدعوة من الحكومة العراقية، مع التزام بغداد بـحماية قوات التحالف من أي أطراف خارجية»، ما أثار استنكار قوى سياسية وأخرى من فصائل قوى المقاومة العراقية.
النائب محمد كريم في «تحالف الفتح» برئاسة هادي العامري، اعتبر أن تصريحات أوستن بهذا الشأن «مرفوضة جملة وتفصيلاً»، مؤكداً أن «موقف الحكومة واضح بشأن عدم الحاجة إلى القوات الأجنبية على الأراضي العراقية».
كذلك قال القيادي في «كتائب حزب الله» أبو علي العسكري في تغريدة له: إن «حزب اللـه غير ملزم بأي تفاهمات بين الأطراف السياسية مع قوات الاحتلال، ولن ننتظر الإذن من أحد لمواجهته والنيل منه».
من جانب آخر، أكد باسم العوادي المتحدث الرسمي باسم رئاسة الحكومة العراقية، أن «المبدأ الأساس الذي أشار له القائد العام للقوات المسلحة محمد شياع السوداني، في أكثر من مرة، بأن العراق ليس بحاجة إلى أي قوات قتالية خارجية، وأن جهود التعاون لا بد من أن تنصبّ على التدريب والتطوير والتعاون الاستخباري بملفات محاربة بقايا داعش»، لافتاً إلى أن «رئيس الوزراء أكد أن منهج الحكومة هو سياسة الاعتدال والتوازن بين المحاور وفقاً لمبدأ احترام السيادة المتبادل والعمل على تعزيز المصالح المشتركة».
أوستن الذي عمل إلى جانب القائد العام للقوات الأميركية في العراق آنذاك الجنرال دافيد بيترايوس، وفي تولى إدارة العمليات العسكرية في بغداد، وتنفيذ المهام القتالية الدقيقة بالعراق، هو القائد الرئيسي لمعركة مطار بغداد التي سقطت بغداد بعدها واحتل العراق، وهو آخر قائد عام للقوات الأميركية في العراق لدى احتلاله، وتحت أمرته جرت عملية «الفجر الجديد» التي انتهت في الـ15 من كانون الأول 2011، حيث تم سحب آخر جندي أميركي من العراق، الذي لم يكن موافقاً على قرار سحبهم.
أوستن الداعي للتعاون والتنسيق الدائم مع الحلفاء التاريخيين للولايات المتحدة الأميركية في المنطقة والعالم بوجه أعداء أميركا وإسرائيل، الذي رقص «الجوبي» في محافظة الأبنار التي تشبه الدبكة في بلاد الشام على أنغام «لقعدلك عالدرب قعود» و«يا يمة انطيني الدربيل»، هو صاحب إستراتيجية إنشاء وتسليح قوى محلية للقتال إلى جانب القوات الأميركية وبإشرافها في المناطق التي تحتلها، كما حصل في العراق في محافظة الأنبار، حين أنشأت «مجالس الحصوات» التي جرى تسليحها وتمويلها وتدريبها أميركياً، ومثلما يحصل الآن في التعامل مع ميليشيات «قوات سورية الديمقراطية – قسد»، حيث قام رئيس هيئة الأركان الأميركية المشتركة الجنرال مارك ميلي في الرابع من آذار الحالي بالدخول هو الآخر خلسة إلى مناطق احتلال قواته في شمال سورية وشمال شرقها، قبيل جولة أوستن الشرق أوسطية، لمراجعة إجراءات الأعمال القتالية المشتركة مع «قسد»! زيارة لويد أوستن التي ليست الأولى لوزراء الدفاع الأميركيين إلى العراق منذ احتلاله عام 2003، تأتي كمحاولة للحفاظ على استمرار الوجود العسكري الأميركي في العراق، بهدف إظهار الدعم الأميركي للحلفاء الرئيسيين بالمنطقة في مواجهة ما يوصف بحجة«التهديد المتزايد لإيران في المنطقة»! التي لم تعد تُقنع أحداً في ظل الوحشية الإسرائيلية اليومية السائدة في فلسطين المحتلة.
إن ما يميز زيارة أوستن هو حصولها قُبيل الذكرى العشرين لغزو القوات الأميركية للعراق في الـ20 من آذار 2003 الذي تسبب في استشهاد نحو 300 ألف مدني عراقي أعزل، وبتدمير كامل بنى العراق التحتية، فاتحاً الباب أمام واحدة من أكثر الصفحات دموية في تاريخ العراق، بظهور تنظيمي القاعدة في بلاد الرافدين وداعش، بجرائمهم المستمرة، حيث مازال العراق وجيرانه يعانون حتى اليوم من دوامة العنف التي أوجدوها.
الاحتلال الأميركي للعراق عام 2003 بكذبة امتلاكه لأسلحة الدمار الشامل الذي لا أساس لها، يضع الولايات المتحدة الأميركية في مصاف الدول غير الجديرة بالثقة والاحترام، حيث لا سمعة ولا مصداقية لقادتها، ما يجعلهم يدخلون مسارح جرائمهم خلسة خشية العقاب والانتقام.