التوجه الأوروبي إلى العرب والإسلام نظرة تقترب من الموضوعية … زيغريد هونكة بين العرب والغرب والمفاضلة بين الغربيين
| إسماعيل مروة
لا ريب في أن حضارتنا العربية التي عاشت فترة ازدهار طويلة قد وقعت نهجاً لآراء الخصوم وبعد زوال تلك الحضارة وأسبابها، بدأ الهجوم عليها عنيفاً من الدارسين وخاصة الغربيين، وقد نسي هؤلاء ما للعرب من أياد بيضاء على العالم، ولم يذكروا إلا المثالب، بل زاد الأمر عند بعضهم، وهم كثر. أن عملوا على تشويه صورة العرب والإسلام بكل ما يملكون من حجة وهيمنة على الإعلام ووسائله.
وقلما نجد كاتباً يتناول الحضارة العربية- الإسلامية بشيء من الإنصاف، وإن فعل فلا شك في خضوعه لمؤثرات قد تكون غير مرئية إلا من الدارس المحلل، ولا ينطلق هؤلاء الدارسون من حب الإنصاف كما قد «يتهيأ» بل ينطلقون من غايات خاصة سياسية في الأغلب.
وغياب هذا الإنصاف هو الذي جعلنا نهلل لأي بارقة تلوح في الدراسات التي تصدر عن الغرب، وتتناول شيئاً من الحضارة العربية، من دون أن يحرفها الكره عن المسار المقبول في الدراسات العلمية.
«التوجه الأوروبي إلى الإسلام» إسهام جدير لزيغريد هونكه المستشرقة الألمانية المعروفة، قام بترجمته عن الألمانية الدكتور هاني صالح، يضاف إلى «الديوان الشرقي» لغوته، وإلى «شمس العرب تسطع على الغرب» لهونكه نفسها.
تطل علينا بكتابها المهم هذا في بحث جدير بالترجمة والقراءة، جعلت فيه الشرق الإسلامي قبلة للدارس المنصف، والتوجه إلى هذه القبلة من الأمور اللازمة، معتمدة على أدلة وبراهين كثيرة استقتها من الاستقرار والدرس والتحليل لمجمل الأخبار التي وصلتها من الكتب العربية والغربية.
عشرات الكتب تصدر كل يوم في تمجيد الشرق والإسلام، إلا أن هذه المؤلفات غالباً ما تصدر عن كاتب عربي أو إسلامي، فيكون كمن يمدح نفسه ويظهر محاسنها.
أما الأهم فهو أن يصدر كتاب يتسم بالموضوعية – ولو ظاهرياً – من ند لا يعترف بنا، ولا يحب حضارتنا ، فهذا أمر جدير بالعناية، لذلك حظي كتاب هونكه الأول بعناية كبيرة، فهو من الأسهم القليلة في تاريخ الكتابة الأوروبية التي رمت إلى إنصاف حضارتنا – بغض النظر عن الدوافع الأخرى لهذه الكتابة.
واعتراف الآخر بك أهم من معلقات تدبجها في مدح نفسك بخاصة أن ثقافتنا عانت من الظلم الذي لحقها من المستشرقين الدارسين الذين سلبوا عنها محاسنها التي يعرفها القاصي والداني، ولا تزال تعاني إلى اليوم.
المضمون يدل على العنوان
كتاب «التوجه الأوروبي إلى الإسلام» مضمونه يدل على عنوانه دلالة قاطعة، ويدل على حنكة المؤلفة في بلوغ الغاية – التي يرمي إليها البحث – فهي تحاول رسم صورة للحضارة العربية الإسلامية من وجه نظر ألمانية قومية، ولم تترك جانباً من جوانب الحياة إلا وأتت عليه من القتال والسلاح والفروسية، مروراً بالديانة والأشعار، وكانت وقفتها مهمة مع الشعر العربي وأثره في الشعر الأوروبي. كما أفردت لـ«غوته» وأشعاره في الرسول العربي محمد صلى الله عليه وسلم، ولأشعاره في الدعوة الإسلامية مجالاً.
ومن الوقفات المميزة في الكتاب والتي يجدر التنبيه إليها لتبيان نظرة الإسلام إليها. حديثها عن الغزل عند العرب، وارتباط هذا الغزل بتكريم المرأة، وجعلها في موقف مساو للرجل، مع أن الغرب كان يعاملها معاملة مغايرة ومهينة في الوقت نفسه، ودرست فيها خصائص الغزل العربي، والطرق التي انتقل بها هذا الغزل إلى الأوروبي، لتغيير تعامله مع المرأة.
والحروب الصليبية- أسبابها، دوافعها. تحركاتها، عددها، نتائجها، علاقتها بالكنيسة والبابا، والسياسة أمور كثيرة نعرف طرفاً منها ونجهل بقية الأطراف.
والكاتب العربي يدخل في هذه الأمور بحذر خشية أن يوصف بالمغالاة وعدم الموضوعية، لكن المؤلفة تجاوزت هذا الأمر معتمدة الوثائق والمستندات الموجودة لديها خصوصاً من تاريخ الحروب الصليبية، أو الأعمال الأدبية المدونة منذ تلك الأيام لتقدم أحكاماً قاطعة. سيقف القارئ العربي أمامها مدهوشاً.
ولا بد من الإشارة إلى أن الإعجاب بما قدمه الكتاب لا يجعلنا نغفل عن بعض الدوافع الجوهرية لتأليفه، وهو ليس الحب للشرق فقط، وذلك يتضح من العناوين الكبرى والجزئية والكلمات والسطور، وتتركز دوافع المؤلفة في نزعة قومية «ألمانية» واضحة.
فهي تبعد الألمان عن ساحة الحروب الصليبية، وعن المواجهة مع العرب فيما بعد وتعد مشاركتهم في بعضها من باب الحصار الاقتصادي الموجه من الكنيسة آنذاك.
صداقات الألمان للعرب
وكثيراً ما استعملت تعبير «النبل الألماني» مقابل الوضاعة الأوروبية خاصة الفرنسية. وتؤكد أن الألمان أكثر تحضراً من الأوروبيين، وتأثروا بالعرب من دون حرج، مستعرضة علاقات العرب مع الألمان، من هارون الرشيد وشارلمان، وهدية الساعة السحرية، إلى غوته وشعره. إلى تقديس الألمان القديس المغربي موريس، وتعيد المؤلفة إلى أذهاننا ذكرى كتابها الأول.
فالمؤلفة تحاول جاهدة أن تبرز التميز الألماني «القومي» على أوروبا، فالألمان وحدهم أقاموا صداقات مع العرب في زمن الحروب، وأخذوا عنهم هواياتهم وعلومهم.
وذلك لا ينفي ما في الكتاب من وثائق مهمة تضعه إلى جانب «شمس العرب تسطع على الغرب» وتجعل منه إضافة جيدة جديدة إلى المكتبة العربية الأوروبية في زمن عادت فيه الحروب والنزاعات إلى الصدارة.