لا أحد يجب أن يشك بأن الكيان الإسرائيلي تلقى صدمة قوية من إعلان الرياض وطهران برعاية الزعيم الصيني شي جي بينغ من العاصمة بكين عن التفاهم السعودي- الإيراني وعودة العلاقات الدبلوماسية بين الدولتين. رئيس حكومة العدو بنيامين نتنياهو أكثر من صدم بهذا القرار لأنه كان منذ توليه رئاسة الحكومة عام 2009 قد وضع على جدول عمله الأساسي مهمة تخريب أي علاقة سعودية- إيرانية بل تحويل إيران إلى «عدو» للسعودية بشكل خاص، ولبقية دول الخليج بشكل عام، فذهبت كل خططه وجهوده طوال أربعة عشر عاماً أدراج الرياح، ووجد نفسه محطماً أمام جبهات داخلية وخارجية تولد الضعف والانهيار في سياسته الإقليمية، وبهذه النتيجة أصبحت دول المنطقة قادرة على بناء شرق أوسطها الجديد الخاص بها والمناقض لكل أحلام تل أبيب بشرق أوسط يخدم مصالحها وتتحكم بسياسته، ولذلك جاءت الصدمة بعد تفاهم بكين مزدوجة لأنها وجهت ضربة إستراتيجية للسياسة الأميركية جعلت من الكاتب السياسي في تل أبيب شيت فريدمان يقول في صحيفة «جيروزليم بوست» في 12 آذار الجاري إن واشنطن «انتقلت الآن في سياستها من مواجهة الإرهاب منذ 11 أيلول 2001 في المنطقة إلى مواجهة زوج من المنافسين اللذين تمكنا من تخريب سياستها وهما موسكو وبكين، لأن هذا التفاهم السعودي- الإيراني سيؤدي إلى خفض النزاع في لبنان واليمن والعراق وسورية»، وهذا الاعتراف يجعل الخسارة الأميركية واسعة النطاق على مستوى نفوذها وإدارتها للنزاعات في المنطقة، فالصين نجحت مع الدول الخليجية الست في التوقيع على اتفاق لخمس سنوات في كانون الأول عام 2022 وبتّت مصالحها معها.
يعترف شيت بأن السعودية تمكنت أيضاً من تعزيز علاقتها مع موسكو، وبهذه الطريقة أصبح الحليفان الروسي والصيني قادرين على التأثير بشكل متزايد في المنطقة، في حين فقدت واشنطن جزءاً من قدرتها على إيقاف عجلة الروس والصينيين عن ترسيخ علاقاتهما برضا من جميع دول المنطقة، فروسيا لديها علاقات متينة مع سورية وتركيا، وستصبح قادرة على جمع أنقرة ودمشق في إطار يتيح لها تقوية حليفها السوري، وإزاحة القوى التي كانت تستهدفه من دون توقف وبخاصة تركيا، ويعول شيت على دور إسرائيلي بتخريب هذا الاتفاق الذي ستكون مضاعفاته على تل أبيب واسعة النطاق.
يرى محللون إسرائيليون أن نتنياهو ظنّ أن واشنطن قادرة على تحقيق مصالح إسرائيل بسهولة في المنطقة، فتبين أن الصين وموسكو لهما تأثير قادر على تجاوز إسرائيل التي لن يكون بمقدورها تغيير سياسة دولتين كبريين مثل الصين وروسيا ما دامت واشنطن لم تستطع تثبيت سياساتها منذ سنوات قليلة، ولذلك يتزايد الاعتقاد عند بعض الدول الأوروبية بأن كل خسارة تتحقق لواشنطن في المنطقة ستعقبها خسارة مماثلة لهذه الدول التي ستجد أن اعتمادها على القوة الكبرى الأميركية وجرّ واشنطن لهذه الدول إلى شن الحرب على روسيا لم يجديا نفعاً، ولاشك بأن تل أبيب نفسها ستنضم إلى ملعب الخاسرين من مضاعفات هذا التطور الذي تمكنت تثبيته حتى الآن الصين بين أكبر دولتين إقليميتين نفطيتين في المنطقة هما إيران والسعودية.
ثمة من يعتقد داخل الأوساط الأميركية أن كل إنجاز يتحقق للصين في المنطقة يزيد من قدرة روسيا على تحقيق المكاسب الميدانية في أوكرانيا، وصد كل أشكال العقوبات الاقتصادية، بل التلويح بردود عقابية على الدول الأوروبية، ولا شك بأن أي تفاهم تحققه موسكو بين أنقرة ودمشق سينعكس على شكل مصلحة إستراتيجية لإيران التي تتطلع إلى نتيجة كهذه وتعمل على تسريع خطواتها بين أنقرة ودمشق للوصول إلى انفراجة، وهذا ما يجعل الخسارة الإسرائيلية مزدوجة على جبهتين إحداهما إيران والأخرى سورية.