دخل الاجتماع الرباعي لنواب وزراء خارجية سورية وتركيا وروسيا وإيران، الذي جرى الحديث عن انعقاده في موسكو قبل أسبوع، دوامة تحديد الزمان، بين اليوم والغد، وخلال أيام وأسابيع، ومن باب وجوب الابتعاد عن الخوض في غمار الحديث في المجهول، فإننا لن نتطرق إلى متى سيعقد ذاك الاجتماع، ولكن من باب الحديث المتراكم عن ضرورة وأهمية حدوثه، فمن الواجب الحديث عن مبررات كل طرف للدعوة إليه وحضوره من عدمها، أو التريث في حدوثه إلى حين نضوج تلك المبررات.
إننا حكماً لا نشكك في نيات المجتمعين، لكن النيات الحسنة لا تثمر بالضرورة أفعالاً جيدة، ونشدد على أن الغاية من انعقاد الاجتماع «الرباعي» ليست أخذ صور تذكارية وإضافته إلى أرقام الاجتماعات التي تمت سابقاً في سبيل حل الأزمة السورية.
والآن ما مبررات كل طرف للدعوة إلى حضوره أو التريث:
أولاً، إن مبررات تركيا للإصرار على تحديد موعد الاجتماع وانعقاده، كثيرة وضاغطة بالنسبة للإدارة في أنقرة، لجهة حصاد ثمار هذا الاجتماع بعيداً عن نتائجه، وإضافته إلى سلة الإنجازات التي تحضرها قبيل الانتخابات المقررة في الرابع عشر من أيار المقبل، وذلك بهدف كسب رأي الناخب التركي، وحرق ورقة اللاجئين السوريين من يد المعارضة التي استخدمتها سابقاً في إظهار إخفاق الإدارة التركية وسياسة حزب العدالة والتنمية في التعاطي مع ملف اللاجئين السوريين.
يضاف، إن رئيس الإدارة التركية رجب طيب أردوغان يعي جيداً أهمية ورقة التقارب مع دمشق في عملية الضغط على الإدارة الأميركية، فأردوغان يرى في أي انفتاح دولي أو إقليمي على دمشق هو انتصار له وللحليف الروسي، ومن هنا فهو يعمل دائماً على إعلان نيته السير نحو دمشق، ولو بأرجل من «نايلون»، لحث واشنطن على الضغط على غريمه اللدود المتمثلة بميليشيات «قوات سورية الديمقراطية- قسد» وكسر شوكتها في شمال شرق سورية، كي لا تشكل خطراً على حدود بلاده الجنوبية، وهذا الأمر تعيه الإدارة الأميركية جيداً وهو ما دفع مؤخراً بمساعد الرئيس الأميركي ونائب مستشار الأمن القومي في إدارة جورج بوش، السفير الأميركي الأسبق في أنقرة وبغداد جيمس جيفري للتأكيد بعدم وجود نية لدى واشنطن لإنشاء دولة كردية في سورية.
ثانياً، من المؤكد أن موسكو حريصة بشكل أو آخر على حل الأزمة في سورية، وتدرك جيداً أن البوابة الرئيسية إلى ذلك هي أنقرة، إضافة إلى ذلك فإن روسيا حريصة على تمتين حبال الود مع إدارة أردوغان لأسباب متعلقة بالنزاع في أوكرانيا، لما تشكله تركيا من ساحة اقتصادية مهمة وواسعة لموسكو، فتركيا ممر لعبور الغاز والبضائع الروسية إلى أوروبا والعالم، كما أنها تشكل صمام أمان أو سداً في وجه أي قرار متهور لحلف الناتو ضد موسكو، ومن المؤكد أيضاً أن تطبيع أنقرة علاقتها مع دمشق سيعمل على تعزيز دور موسكو في الشرق الأوسط، ويمكنها من الضغط أكثر على واشنطن للخروج من سورية.
إذا ما تفهمنا مبررات روسيا وتركيا وسعيهما للتعجيل في مسار التطبيع بين أنقرة ودمشق، فإن ثمة مبررات للأخيرة في تريثها، وقراءة الأمور بهدوء أكثر، فالحكومة السورية خبرت السياسة التركية، وكيفية تعاطيها مع الاتفاقيات، وتهربها من تنفيذها، واتفاقيات «سوتشي» بين الرئيس الروسي فلاديمير بوتين وأردوغان من 2018 إلى 2022 التي لم تقدم الإدارة التركية على تنفيذ أي منها، مبرر لدمشق في حذرها وتريثها، وموسكو دعت أكثر من مرة أنقرة إلى الالتزام بتعهداتها لجهة محاربة الإرهاب في إدلب، وفتح طريق حلب- اللاذقية «M4».
دمشق تدرك جيداً أن أي لقاء مع الجانب التركي يجب أن يبنى على ضمانات، وبما يفضي إلى نتائج في أرض الميدان، وأكدت مراراً وتكراراً أن هدفها ليس اللقاءات والترويج لها، وإنما هناك هدفان أساسيان تتحدث عنهما، تحرير الأرض ويتمثل بانسحاب الاحتلال التركي من الأراضي السورية المحتلة، ثم وقف دعم الإرهاب، وخلاف ذلك لا مشكلة لديها في الحوار مع أنقرة، مع أنها لن تقدم هدايا مجانية إلى أردوغان ليكسب في الانتخابات.