قضايا وآراء

إما «جنرال إلكتريك» أو ماكو كهرباء!

| أحمد ضيف الله

يعاني العراق الذي يُعد خامساً في احتياطاته النفطية، وسادساً في قائمة أكبر 10 دول منتجة للنفط في العالم أزمة إنتاج للكهرباء.

العراق حتى العام 1990 كان ينتج ما يكفيه من الطاقة الكهربائية، إلا أن القصف الجوي الأميركي المرعب على العراق خلال حرب الخليج الثانية عام 1991 الذي تركز بشكل لافت على منظومات الطاقة الكهربائية، والحصار الاقتصادي الذي فرض عليه آنذاك، دمر قطاع إنتاج الكهرباء بشكل كبير، ليجهز الغزو الأميركي للعراق في الـ20 من آذار 2003 على ما تبقى من هذا القطاع الحيوي، مدخلاً العراق في معاناة وأزمات مستمرة في إنتاج الطاقة الكهربائية حتى يومنا هذا، ما يعرقل عمليات تطوير كل قطاعاته الإنتاجية والخدمية، حيث لا تزيد ساعات التزويد الكهربائي على 12 ساعة في اليوم، وتنخفض صيفاً بشكل حاد حيث ترتفع درجة الحرارة إلى أكثر من 50 درجة مئوية.

في الـ7 من آذار الجاري، وقعت ثلاثة عقود مع شركة «سيمنز» الألمانية للطاقة، بحضور رئيس الوزراء محمد شياع السوداني ووزيرة الخارجية الألمانية أنالينا بيربوك التي كانت تزور بغداد، تنفيذاً لمذكرات التفاهم الموقعة مع الشركة لدى زيارة السوداني إلى ألمانيا في الـ12 من كانون الثاني 2023.

توقيع العقود بين الحكومة وشركة «سيمنز»، لم يلق اهتماماً شعبياً على وجه الخصوص، لكونه لا يعني بالنسبة لهم أن مشكلة الكهرباء أخذت طريقها إلى الحل.

أربعة رؤساء حكومات قبل السوداني وقعوا اتفاقيات مع شركة «سيمنز»، ولم يتحقق شيء. ففي العام 2008 وقع رئيس الحكومة آنذاك نوري المالكي، عقوداً مع «سيمنز» لبناء محطات جديدة لإنتاج الطاقة الكهربائية، وإلى نهاية رئاسته عام 2014 لم تنفذ الشركة أياً من العقود المبرمة.

رئيس الوزراء الأسبق حيدر العبادي، وقّع هو الآخر في العام 2018 عقداً مع الشركة الألمانية «لتطوير قطاع الطاقة وصولاً إلى مستوى تجهيز 24 ساعة» بحسب تصريحه آنذاك، بلغت قيمته نحو 15 مليار دولار. ولم ينفذ.

عادل عبد المهدي رئيس الوزراء الأسبق، أبرم عقداً مع «سيمنز» في الـ30 من نيسان 2019، بقيمة 17,5 مليار دولار بحضور المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل في ألمانيا. ولم ينفذ.

في الـ13 من تموز 2022، وجه رئيس الوزراء السابق مصطفى الكاظمي بتفعيل جميع المشاريع الكهربائية، حاثاً في الـ16 من الشهر ذاته لدى استقباله وفداً من شركة «سيمنز» على مواصلة العمل وتجاوز التلكؤ، ولكن لم يتحقق أي تقدم ملحوظ. في الوقت الذي زادت مشاكل قطاع الطاقة، بسبب التوسع السكاني وازدياد الطلب على الكهرباء، وانعكاسات الحرب على تنظيم داعش الإرهابي.

الرئيس التنفيذي لشركة «سيمنز» جو كيزر، قال في مقابلة خاصة أجرتها معه قناة «دويتشه فيله» الألمانية في الـ18 من تشرين الثاني 2018: إن الرئيس الأميركي ترامب لعب دوراً في عرقلة اتفاق الشركة مع الحكومة العراقية، ممارساً ضغوطاً كبيرة على العراقيين لمنح شركة «جنرال إلكتريك» الأميركية صفقة تطوير قطاع الكهرباء في العراق.

السفير الألماني السابق في بغداد أوله دييل، قال هو الآخر في حوار متلفز لفضائية عراقية في الـ8 من تموز 2020: إن سوء تردي الكهرباء في العراق يعود إلى منع الولايات المتحدة شركة «سيمنز» الألمانية من تطوير القطاع الكهربائي في البلاد، وضغطها باتجاه التعاقد مع شركة «جنرال إلكتريك» الأميركية، مؤكداً «قدرة شركة «سيمنز» على إنهاء أزمة الكهرباء في العراق».

في كانون الأول 2008، حصلت شركت «جنرال إلكتريك» الأميركية على عقد كهرباء بقيمة مليارين و800 مليون دولار، نص على تزويد العراق بـ56 توربيناً لتوليد الكهرباء، وبعد تأخير طويل حتى العام 2012 سلمت الشركة العراق توربينات مُصممة للعمل على الغاز الذي لا يمتلك العراق التقنيات التي تسمح له بإنتاج ما يكفي من الغاز لتشغيلها، لكونه حتى الآن يقوم بحرق الغاز المصاحب للنفط، حيث تعرقل الإدارة الأميركية استثمار الغاز المرافق!

جميع الحكومات السابقة سعت بجدية لتحسين الواقع الكهربائي في العراق، ووعدت العراقيين بتحقيق ذلك، إلا أن وعودها وسعيها أفشلهما الأميركيون الذين لم يجلبوا للعراق سوى الموت والدمار والفقر وانتشار الإرهاب.

الحكومة العراقية الحالية جادة وصادقة في سعيها لتحسين الواقع الكهربائي، ما يتطلب اتخاذ القرارات اللازمة والحاسمة للخروج من الوصاية والهيمنة الأميركية على أموالها واقتصادها، لتنجح في سعيها هذا.

الولايات المتحدة الأميركية لعبت دوراً تخريبياً في عدم وصول الكهرباء للعراقيين، معرقلة عن عمد تنفيذ عقود شركة «سيمنز» وغيرها، فهي تسعى إلى الاستئثار بملف الكهرباء في العراق لمصلحة الشركة الأميركية فقط، وهي تقول للعراقيين إما شركة «جنرال إلكتريك» أو ماكو كهرباء.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن