شؤون محلية

استعادة الطبابة المجانية

| ميشيل خياط

تشهد المشافي الحكومية وعياداتها الخارجية ازدحاماً شديداً يرهق الجميع.!!

روى صديق أنه أمضى ثلاث ساعات منتظراً دوره للدخول إلى عيادة الأشعة وسط حشد من المنتظرين أمثاله وفوجئ أن الصورة رقمية ترسل إلى العيادة المختصة التي طلبت له الصورة إلكترونياً، إذ لا يوجد صور ورقية، وعندما ذهب لمراجعة العيادة قيل له إن الطبيب المعالج قد انتهى دوامه، وعليه أن يعود بعد أسبوع، ليشخص له حالته!

وتكاد الدموع تنفر من عينيه عندما سئل عما يضطره إلى احتمال مثل هذه الوقائع، فالصورة الشعاعية في المشفى الحكومي بـ230 ليرة سورية، في حين أنها في دور الأشعة الخاصة بـ35 إلى 50 ألف ليرة!!

وعلق من كان يصغي إلى حديثهما: هذا لاشيء أمام الطبقي المحوري أو المرنان، الفرق بمئات ألوف الليرات، أما الانتظار فهو طويل ويصل إلى عدة أشهر.

ينجم عن الازدحام الهائل، توتر عصبي وتجهم غير معهود سابقاً ولاسيما في أوساط الإداريات والممرضات، بسبب الضغط الشديد ومحاولات التوسط وتجاوز الدور.

وهذا كله لاشيء البتة أمام أن يقول الطبيب المختص لمريضه: وضعك خطر تحتاج إلى عمل جراحي سريع في الساقين وهنا الانتظار طويل جداً، أما في المشفى الخاص فإن التكلفة عشرة ملايين ليرة.

من المؤسف أن مرفق الطبابة المجانية في سورية بمشافيه وعياداته ومراكزه الصحية، بات مفتقراً لكثير من المستلزمات، كالدواء الملائم والتحاليل المخبرية المهمة وكثير من الاحتياجات وبعضها أساسي ومرتفع الثمن جداً في محال بيع الأدوات الطبية والجراحية إذ يطلب من ذوي المريض إحضارها.

ولعل هذا النقص الفادح الذي يكاد يغيب الطبابة المجانية هو جزء من احتياجات كبرى قدّرها مكتب منظمة الصحة العالمية في سورية بـ257,6 مليون دولار في العام 2022. لتقديم الرعاية الصحية لـ 12,2 مليون سوري بينهم 1,3 مليون طفل و545 ألف رضيع.

وبسبب الإقبال الكبير على دراسة الطب -4000- طالب سنوياً، فإن مراجعي المشافي الحكومية لا يشعرون بنقص في عدد الأطباء، (على الرغم من الحديث عن هجرة كبيرة في أوساطهم، قدرها خبير بـ400 طبيب سنوياً)، ثمة نقص في بعض الاختصاصات النوعية مثل التخدير والأشعة والطب النفسي والشرعي، وقد صدرت مؤخراً تشريعات تحفز على الإقبال على هذه الاختصاصات، وقد يكون النقص الأهم في عمال النظافة والخدمات.

وهنا لابد من تكرار كلام يذهب مع الريح دائماً مفاده أن مراجعي المشافي الحكومية الكثر وبعددهم الهائل وهم يومياً بالآلاف لكل مشفى، لا يكترثون بالنظافة العامة ويستسهلون رمي النفايات بعيداً عن سلال المهملات وإذا ما استخدموا الحمامات، لا ينظفونها، ما يجعلها بؤرة مرض إلى جانب دورها المقزز، وقد يكون هذا الوصف مدخلاً ملائماً للحديث عن الحل.

إن الطبابة المجانية اليوم، وأكثر من أي وقت مضى هي ضرورة قصوى وحاجة ماسة، تماثل الغذاء والكساء ولايجوز غض نظر المجتمع عنها، بهيئاته ومؤسساته وجمعياته الخيرية وفعالياته الاقتصادية، إنهم جميعاً مدعوون لتفعيل مبادرات جماعية، يضطلعون من خلالها بحملات تنظيف وترميم وتجميل، لمشاف جار عليها مراجعوها وأدى نقص الموارد إلى إهمال صيانتها وصيانة تجهيزاتها المهمة.

قد تلعب النقابات المهنية دوراً ريادياً في تأجيج مثل هذه المبادرات، التي لابد منها للإبقاء على نعمة كبرى كانت فخر كل السوريين قبل الحرب.

وقد يقال… وأنا أقول، لا تجعلوا من كارثة الزلزال مشجباً جديداً لغض النظر عن احتياجات حيوية.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن