بين التسريبات الأميركية وتساقط رؤوس الإرهاب.. هل انتهى العام الأصعب من عمر الحرب على سورية؟!
| فرنسا – فراس عزيز ديب
في مطلع عام 2014 حكي عن زيارة لوفد الكنيسة الإنجيلية الأميركية إلى سورية ولقائهم الرئيس بشار الأسد، هذا اللقاء خرق يومها سنوات عجافاً من التواصل (الأميركي- السوري) على كافة المستويات، يومها لم يتم تفسير الزيارة على أنها نوعٌ من الانفتاح الأميركي على القيادة السورية، فالكنيسة الإنجيلية وإن كانت من أكبر المرجعيات الدينية في أميركا، لكنها لا تتمتع بأي نفوذ يتحكم بالسياسات الخارجية، بل كانت فرصة لوقوف الوفد بشكل مباشر على حقيقة ما يجري -وإن متأخراً-.
كان لافتاً أن الوفد نقل رسالة للرئيس الأسد من أمين سر الكنيسة اختتمها بالقول: «ليكن اللـه معك».. هم وبعكس بعض المرجعيات المسيحية في «جوارنا القريب»، لم يتعاطوا برمادية بمواقفهم، لأنهم أدركوا ربما أن ليس هناك (حرب في سورية)، بل هناك (حرب على سورية)..
بموضوعية كاملة نستطيع أن نسمي الأيام الأخيرة من هذا العام بـ«أيام التسريبات» وكشف المعلومات، منها ما هو مهم ومنها ما هو معروف، ومنها ربما سيؤسس للمرحلة القادمة، فهل انتهى العام الأصعب من عمر الحرب على سورية؟!
نبدأ من النرويج التي قررت فجأة الكشف عن معلومات بحوزتها تتعلق بتورط القيادة التركية مع «داعش» بتهريب النفط السوري وسرقته، وهنا نتساءل: لماذا لم تقرر النرويج كشف هذه المعلومات سابقاً؟! أو بالأصح من الذي طلب منها عدم كشف هذه المعلومات واليوم سمح بنشرها! دون أن ننسى كلام النائب التركي «آرين أردام» عن تورط القيادة التركية بتهريب غازات ومواد كيميائية لـ«داعش» والطلب الروسي بفتح تحقيق بهذا الأمر، وما قد يتعداه لإعادة فتح ملف ما حدث في «خان العسل».
أما أميركياً، فكان لافتاً أن يخرج علينا «سيمور هيرش» بدراسة مطولة فيها ضخٌّ هائلٌ من المعلومات عن الخلاف بين بعض القادة العسكريين الأميركيين والرئيس باراك أوباما حول السياسة المتبعة في سورية، وخطورة السير خلف ما تريده كل من تركيا ومشيختي قطر و«آل سعود» بإسقاط الرئيس الأسد، بل إن المعلومات التي نقلها هيرش دعمت وجهتي النظر السورية (والروسية لاحقاً) عن قيام الأتراك بتقديم دعم تقني ولوجستي لتنظيمي «داعش» و«القاعدة، مع ذلك غاب عن ذهن هيرش ومن زوده بالمعلومات تساؤلٌ منطقي:
ماذا لو افترضنا أن حدث مالا يحمد عقباه وسقط «النظام» ولم تصمد سورية هذا الصمود، هل كنا سنسمع بهذه التسريبات، بالتأكيد لا، بل كانوا سيفاخرون بالجهود الأميركية لاستجلاب «الحرية» للشعب السوري كما جلبوها لليبي والعراقي، تحديداً ما نقله هيرش يركِّز على أواسط عام 2013، أي في أوج التهديد الأميركي بشن غارات على سورية، وحرد كل من الخليجي والتركي وما يسمى المعارضة السورية من امتناع أوباما عن ذلك، بعد التوصل لاتفاق بسحب السلاح الكيميائي.
بذات الطريقة، تنقل صحيفة «وول ستريت جورنال» معلومات عن إخفاق محاولة الأميركيين التقرب من ضباط سوريين، يعتبرون قادة في الصف الأول، ويشكلون -حسب الصحيفة- «حالة طائفية» معينة يستطيعون من خلالها إيجاد بديل للرئيس الأسد يضمن الاستقرار بعيداً عن تهويلات «البنتاغون» التي نقلها هيرش، لكن الولايات المتحدة لم تجد استجابة، ثم إن ظهور داعش فاجأها.
في الحقيقة هذه التسريبات قالت نصف الحقيقة. نعلم أن العقل الأميركي والمال الخليجي لم يوفرا وسيلة لتحقيق ما يصبون إليه، لكن من غير الممكن الاقتناع بأن الولايات المتحدة تفاجأت بظهور داعش، فلو أن سبب إخفاق المساعي الأميركية باستقطاب هؤلاء الضباط هو ظهور داعش، فلماذا لم تتوقف إدارة أوباما عن محاولات إضعاف الجيش السوري واستنزافه عملاً بنصيحة البنتاغون؟! لعل الأدق أن الولايات المتحدة تفاجأت بدرجة ولاء هؤلاء الضباط لوطنهم سورية أولاً، وللعقيدة القتالية التي تربوا عليها ثانياً.
هنا تبدأ الصورة بالتجلي أكثر، لنصل إلى آخر ما حرِّر عن زيارة لمسؤول أميركي سابق لدمشق، التقى فيها الرئيس الأسد، وهو الأمر الذي يبدو فيما يبدو وكأنه يوضح الهدف لكل التسريبات السابقة، فهل قرر خصوم أوباما السياسيون فضح إخفاقه في عامه الأخير كرئيس، أم هي محاولةٌ من أوباما للملمة ما يمكن لملمته قبل انتهاء ولايته، أم أنها لا تعدو عن كونها مناورة أميركية جديدة لما يسمونه «الحل» في سورية؟
التقى وزير الخارجية الروسي بوزير خارجية «آل ثاني»، اللافت أنه وفي الوقت الذي كان «العطية» يتحدث عن عدم الربط بين الحل السياسي في سورية والاتفاق على لوائح الإرهاب ورؤية مشيخته للحل، كانت (رويترز) تنقل عن مصدر روسي بأن موسكو وواشنطن متّفقتان على لائحة الجماعات الإرهابية في الشرق الأوسط. هذا لا يعني فقط أن كل ما قاله وطلبه الوزير القطري لا معنى له، بل إن الوزير القطري لم يأت أساساً ليناقش الملف السوري باعتبار أن لا شيء جديداً ليتم نقاشه مع الروس، فهل أن زيارته من باب الوساطة بين الروس والأتراك؟
ليست تركيا الخاسر الوحيد مما يجري بينها وبين روسيا، بل إن انحسار الدور التركي واستمرار عزلتها هو بالنهاية خسارة لكل من وضع كل البيض في سلة أردوغان، حتى الهرولة الأردوغانية باتجاه «إسرائيل» لم تنجح حتى الآن، فلا الشروط التركية سيأخذ نتنياهو بها، بل إنه يعي الورطة الأردوغانية فيمعن في ابتزازه، وأي تنازل تركي عن هذه الشروط سيظهر بطريقة فعلية حالة الوهن التي وصل إليها «العدالة والتنمية». أما الروس، فلم يتركوه يحترق بنيران «توقع الرد» فحسب، لكنهم وسّعوا الأمر عبر استضافتهم لأبرز وجوه المعارضة الكردية.
يعلم الروس أن هكذا خطوة يجب جني نتائجها بأسرع وقت، لأن اللعب بشكل علني بالورقة الكردية ستعني حكماً اصطفاف الأحزاب القومية التي تفوق أردوغان تطرفاً إلى جانبه، باعتبار أن العدو هنا بات مشتركاً. أكثر من ذلك قد يستطيع إقناعهم بتحقيق حلمه بالنظام الرئاسي، لذلك يبدو من المبكر الحديث عن رد روسي بالورقة الكردية، الرد الروسي بات واضح المعالم، قد يبدأ بالعمل على مواجهة ما يتم التحضير له من استفتاء لاستقلال كردستان، وما يوازيه إقامة «إقليم سني» في العراق، والرد على العصابات المسلحة في سورية، فما الجديد؟
لم تكد مآذن الجوامع في «دوما» تنطلق بنعي المجرم «زهران علوش» وزمرته حتى بدأت التحليلات عن سبب مقتله، بعضها لا يساوي شيئا، كأن يقول بعض «المحللين» إن هذه العملية هي للرد على استشهاد «سمير القنطار»! هل هي نكتة!؟
واقعياً هنالك تساؤلات منطقية عن طريقة تصفية العلوش وزمرته، كأن يقال إنها محاولة من «آل سعود» للتخلص من العبء الذي بات يمثله هو وقيادات فصيله الإرهابي، مما يعيق محاولة فرض تنظيمه الإرهابي في أي حل سياسي قادم، فيخسر «آل سعود» ورقتهم الأساسية. تحديداً أن الروس لن ينسوا له قصف السفارة الروسية في دمشق.
أو أن تكون هذه العملية هي نوع من انقلاب تركي على «آل سعود»، تحديداً بعد ما حدث في اجتماع الرياض واستئثارهم بقرار المعارضة السورية، فحاول الأتراك تقديم أوراق اعتماد جديدة للروس عن طريق تمرير معلومات أدت للإيقاع بعلوش. كلا التحليلين منطقيين شكلاً، لكن ما ينسفهما ببساطة هو البيان العسكري الذي أعلنته القيادة السورية والذي يؤكد أن استهداف العلوش تم «بطيران سوري» ناتج عن ملاحقة ومتابعة «أمنية سورية». هذا الإصرار السوري على تعويم «سوريّة» العملية، هو لقطع الطريق على التحليلات الاستباقية.
لكن هناك من قد يطرح تساؤلاً آخر، لماذا لم يكن نائبه معه، وما هذه السرعة التي تم فيها تعيين البديل؟
بشكل عام هذا التساؤل لا يبدل في المعادلة شيئاً، قد يكون التوجه القادم لرعاة التنظيم هو تبديل الواجهة و«حلق الذقون» تمهيداً لزجه في حلقة «المعتدلين»، لكن قد يبدو الأمر أيضاً جسر عبور سيسمح نوعاً ما بتشكيل صحوة داخلية لدى أهالي «دوما»، مبنية على فرضية اختراق أمني حققته الأجهزة الأمنية السورية في المجتمع «الدوماني»، الذين باتت الكرة الآن في ملعبه، باعتبار أنهم كانوا يشتكون من طغيان «آل علوش» في المنطقة، فهل سيسهِّل الحادث المصالحة الشاملة؟
هذا الأمر ربما سيتضح بعد أيام، إما أن يعي هؤلاء أن الإدارة الأميركية بحد ذاتها باتت جاهزة للحلول، فيجنحوا للسلم كمكوِّن من مكونات الوطن؛ أو يستمر قصف دمشق، عندها سنستمد من الرسالة التي حملها زوار الأسد، لنقول لدمشق: «ليكن اللـه معك».. فكيف لنا أن نلخص الأيام الأخيرة من عام 2015:
ببساطة لم نكن لنلخصها، لأنها لخّصت نفسها.. انتهى التمهيد للحلول..