شؤون محلية

دروس الزلزال

| محمود الصالح

كشف الزلزال الذي تعرضت له البلاد مطلع الشهر الماضي عن خطة شكلية للطوارئ تضعها مديريات الدفاع المدني، ويتم تحديثها بشكل دوري، بالتنسيق مع جميع الجهات العامة في البلاد. وهي تتضمن خطة إخلاء وإسعاف وإنقاذ، وإزالة أنقاض، ويتم تدريب جميع العاملين في الدولة – على الأقل – على هذه الخطة بكل تفاصيلها. لكننا وأمام أول اختبار عملي لهذه الخطة ظهر فشلنا الذريع في إنجاز ولو نسبة بسيطة من خطة الطوارئ، حيث غابت أبسط أنواع التجهيزات التي تحتويها غرفة العمليات في كل محافظة، وفقدنا أدنى حدود التنسيق بين أطراف خطة الطوارئ وهي الدفاع المدني والإطفاء والإسعاف، وتحولت عمليات الاستجابة لنتائج الزلزال إلى عمل عشوائي يستنزف الوقت والأرواح، ولا يحقق إلا النتائج الضئيلة جداً، رغم أننا يفترض أن نكون على أهبة الاستعداد لذلك لأننا ما زلنا نخوض حرباً ضد الإرهاب، تعرضنا خلالها إلى جميع حالات الطوارئ من تهدم أبنية وحرائق وغيرها.

بعد الساعات الأولى من الكارثة بدا الجميع في حالة إرباك شديد من هول ما جرى، في وقت كان يفترض أن يكون متوقعاً وبشكل دائم، ابتداء من جاهزية المشافي والإسعاف والإنقاذ والإيواء، لكن أياً من ذلك لم يكن متحققاً.

بدأت الإعانات والمساعدات الدولية في الوصول، وكان يفترض أن تكون هناك إدارة واحدة لكامل العملية، تشرف وتنسق وتوجه وتقدم النتائج والتقارير على مدار الساعة، كذلك الأمر لم يحدث ذلك، كنا أمام فرق وطنية وعربية ودولية تعمل بشكل كيفي – مشكورة – في مكان وجودها من دون أي تنسيق أو تشبيك فيما بينها، لا في المعلومات، ولا في الاحتياجات، ولا في النتائج.

وفيما يتعلق بالإعانات المادية التي وصلت إلى البلاد، لم تكن هناك إدارة واحدة لاستلامها وإعادة توزيعها وفق خطة واضحة ومحكمة تجنب الجميع أي اتهامات بالتقصير أو الفساد، كميات هائلة من المواد الغذائية في الملاعب الرياضية تنقل من المطارات ومن الشاحنات العابرة للحدود ومستودعات أتخمت بالمواد بشكل غير منظم، أصحاب احتياجات لهذه المواد تقطعت بهم السبل، ولا أحد يعرف كيف يمكن الوصول إليهم، وتأمين احتياجاتهم بالسرعة المطلوبة، للتخفيف من أثر الفاجعة، آلاف العائلات نامت في الحدائق في ليال تزامنت فيها درجات الحرارة مع انخفاض شديد وصل إلى ما دون الصفر، عائلات ذهبت إلى الأقارب للسكن عندهم وسط ظروف اقتصادية صعبة على الجميع.

أمام كل ذلك فقد الفريق الحكومي الاستراتيجية المطلوبة لمواجهة نتائج هذه الكارثة، وكانت إمكانية المعالجة أبسط مما يتصور الجميع. كان يمكن أن يكون هناك برنامج وطني إلكتروني يتم تفعيله على عجل من خلال البطاقة الذكية التي أصبحت مبرمجة لأغلب المواطنين، ومن خلاله يحدد كم من الأطفال الرضع لدينا، ممن يحتاجون إلى الحليب، ولا نحتاج إلا سؤال كل عائلة تضررت عن رقم الهاتف الذي تم تفعيل البطاقة الذكية عليه، ومن خلال ذلك يتم وخلال دقائق تحديد كل الاحتياجات وأماكن أصحابها، وقبل ذلك يتم إدخال كل أنواع المساعدات التي وصلت إلى البلاد وأماكن وجودها مستودعياً، ولا نحتاج إلا لآليات لتوزيع تلك الاحتياجات على المتضررين في أماكن وجودهم حسب رقم هاتف البطاقة الذكية. ما حدث للأسف الشديد أنه حتى اليوم هناك عائلات لم يصلها شيء لأنها تترفع عن ذل البحث والسؤال رغم حاجتها.

والسؤال: هل فعلاً هذا ما نحتاجه لمواجهة آثار الكارثة..؟! وهل فعلاً استطعنا أن نخفف من آثارها النفسية والمادية على الناس..؟

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن