تسلم المجلس النيابي العراقي في الـ17 من آذار 2023، مشروع قانون الموازنة العامة الاتحادية للسنوات المالية 2023، 2024، 2025 بعد التصويت عليه من رئاسة مجلس الوزراء.
مشروع الموازنة المالية المقدم إلى المجلس النيابي تأخر نحو عامين بسبب الأزمة السياسية التي عصفت بالعراق عقب الانتخابات النيابية المبكرة في 10 من تشرين الأول 2021، حين فشلت القوى السياسية في تشكيل حكومة لأكثر من عام، وبالتالي عمد المجلس النيابي في حزيران 2022 إلى تمرير «قانون الدعم الطارئ للأمن الغذائي والتنمية» لتمكين حكومة مصطفى الكاظمي بالإنفاق على بعض المشاريع وتسيير شؤون الدولة بشكل مؤقت، ومشروع الموازنة المالية الذي يُقدم بعد مرور أكثر من أربعة شهور على تشكيل حكومة السوداني في الـ27 من تشرين الأول 2022، يبلغ 197 تريليوناً و828 مليار دينار أي ما يعادل 152,2 مليار دولار، ويعد الأضخم في تاريخ العراق.
التأخير في إقرار مشروع الموازنة من رئاسة مجلس الوزراء، كان بسبب الخلاف والجدل بين بغداد وأربيل على حصة إقليم كردستان من الموازنة، وهي معضلة سبق أن حدثت في كلّ الموازنات المالية السابقة، حيث تعمد حكومة إقليم كردستان بأحزابها في المجلس النيابي إلى العرقلة والابتزاز وإثارة الخلافات مع الحكومة المركزية بشأن ذلك.
رئيس مجلس الوزراء محمد شياع السوداني وفي مؤتمر صحفي له في الـ13 من آذار الجاري، أكد أن من بين أسباب تأخير إقرار الموازنة «كان التفاهم مع إقليم كردستان حيث تم التوصل إلى اتفاق شامل للقضايا العالقة بين بغداد وأربيل»، مبيناً أنه «لأول مرة يتم إيداع الإيرادات الكلية للنفط المنتج في الإقليم بحساب مصرفي تودع فيه ويخضع للإدارة الاتحادية»، موضحاً أن «التفاهمات بين بغداد وأربيل كانت بنقاط واضحة وتؤكد مضي الطرفين نحو إقرار قانون النفط والغاز»، مؤكداً أنه «حال وجود أي خلافات بين بغداد وأربيل هناك لجنة ترفع توصياتها إلى رئيس الوزراء الاتحادي»، مبيناً أن «حصة إقليم كردستان في الموازنة تبلغ 12,6 بالمئة».
وزارة المالية والاقتصاد في إقليم كردستان، وبالتزامن مع قيام الحكومة الاتحادية بالمصادقة على مشروع الموازنة المالية العامة في الـ13 من آذار الجاري، أعلنت في بيان صحفي، أنه «وصل اليوم للحساب البنكي لوزارة المالية والاقتصاد في الإقليم مبلغ 400 مليار دينار» أي نحو 275 مليون دولار.
المحكمة الاتحادية العليا سبق أن أصدرت في الـ25 من كانون الثاني 2023، قراراً بشأن «عدم صحة» إرسال المبالغ المالية على شكل رواتب لإقليم كردستان، سواء كانت من قبل حكومة مصطفى الكاظمي السابقة، أم من قبل حكومة محمد شياع السوداني التي كانت قد أصدرت قراراً في الـ13 من كانون الأول 2022 بتحويل الـ400 مليار دينار إلى الإقليم، ما أثار وقتها حنق وغضب رئيس الإقليم وحكومته وبرلمانه وقيادات الحزب الديمقراطي الكردستاني الذين اعتبروا أن المحكمة الاتحادية «غير دستورية»، وبأنها «تنفذ أجندة مشبوهة وتحل محل محكمة الثورة في النظام السابق»، بحسب بيان رئيس الحزب الديمقراطي الكردستاني مسعود البارزاني.
النائب المستقل مصطفى سند الذي سبق أن تقدم بدعاوى بهذا الشأن للمحكمة الاتحادية وربحها، قدم طعناً لدى المحكمة الاتحادية بحق هذا الإجراء، إلا أنه سيخسره، لكون المبلغ المقدم صيغ على أنه «قرض» للإقليم من مصرف حكومي هو «المصرف العراقي للتجارة».
حكومة إقليم كردستان، ووفقاً للمؤتمر الصحفي لرئيس الوزراء محمد شياع السوداني، وتصريحات المتحدث باسم الحكومة باسم العوادي، وبيان المستشار السياسي لرئيس الوزراء فادي الشمري، عليها الالتزام بتصدير 400 ألف برميل يومياً من النفط الخام من حقولها، وإيداع جميع الإيرادات المتأتية من تصدير أو بيع النفط الخام ومشتقاته من تلك الحقول في حساب مصرفي واحد، خاضعاً للإدارة الاتحادية، من دون أي استقطاعات لأي غرض كان، إضافة إلى التزام حكومة الإقليم بتسليم الإيرادات غير النفطية إلى خزينة الدولة، ووفق ذلك تلتزم وزارة المالية الاتحادية بتسديد مستحقات الإقليم الشهرية وفقاً للموازنة المالية.
حكومات إقليم كردستان لم تلتزم منذ العام 2005 بتنفيذ ما كان يجري الاتفاق عليه مراراً مع الحكومات المركزية السابقة، بشأن تسليم العوائد المالية من تصدير النفط والجمارك والرسوم والضرائب الأخرى المرتبطة بالإقليم للحكومة الاتحادية، رافضاً أن يشاركه أحد في إيرادات حقوله النفطية بالإقليم، على حين يشارك بإيرادات الحقول النفطية في المحافظات الجنوبية!
إن صرف حصة إقليم كردستان من الموازنة المالية الذي تأخر إقرارها بسببه، يجب ألا يكون على حساب حصص باقي المحافظات العراقية الأخرى، كما يجب أن يقترن الصرف بـتقديم كشوفات واضحة وشفافة لإيراداته اليومية.
ويبقى السؤال، هل سيلتزم إقليم كردستان بتنفيذ ما تم الاتفاق عليه هذه المرة؟ أشك في ذلك.