إلى متى ستظل الولايات المتحدة قادرة على توليد وشن الحروب في العالم؟ أصبح هذا السؤال هو جدول عمل ملح يفرض التاريخ نتائجه بموجب تجارب الماضي، فالتاريخ يثبت أن الإمبراطوريات الكبرى القديمة مثل الرومانية في أوروبا واليابانية في آسيا والإسبانية في أميركا اللاتينية، انتهت مثلما ضعفت وانتهت الإمبراطورية البريطانية في القرنين الماضيين، وصعدت الإمبريالية الأميركية وحلت مكانها في القرن العشرين، ثم وجدنا أن هذه الامبريالية شنت في السنوات العشرين الأولى للألفية الثالثة حروبا بدأت في أفغانستان عام 2001 ثم في العراق عام 2003 وبدأت تكثف حروبها وتتوسع فيها خلال عشرين عاما لتصل إلى سورية وإيران دون أن تحقق أهدافها لا في الشرق الأوسط ولا ضد إيران، القوة الإقليمية ومحورها الصاعد، ولا في أوكرانيا التي يبدو هزيمتها فيها مؤكدة أمام روسيا وحلفائها، ورأى رئيس منظمة «تحالف السلام في ولاية شيكاغو» والت زلوتو، في 19 آذار الجاري، أن الاختصاص الأميركي الإمبريالي بتوليد الحروب خلال العقدين الماضيين أصبح يشجع الولايات المتحدة على تخصيص مادة جديدة في المناهج الدراسية الأميركية تعلم على كيفية شن الحروب المباشرة وغير المباشرة لأنها أكبر صانع ومصدر لها في العالم وفي التاريخ، وكشف بريت ويلكينز من هيئة تحرير المجلة الإلكترونية الأميركية «كومون دريمز» في 19 آذار الجاري، أن الغزو الأميركي للعراق ستبلغ تكاليفه حتى عام 2050 ثلاثة تريولونات دولار بموجب تقرير مفصل أعده معهد واتسون من جامعة براون الأميركية لأن نفقات الجنود المتقاعدين والجرحى وعائلات القتلى سيظل يتصاعد حتى عام 2050. ولا شك أن هذا النوع من النفقات المالية للحروب الأميركية لا يمكن لأي دولة أن تتحمله سوى هذه الدولة الأميركية الإمبريالية التي تجني الأرباح من بيع الأسلحة والهيمنة على الأسواق بقوة الحروب وتوسيعها، ومع ذلك يبدو من الواضح أن الحرب التي تشنها الولايات المتحدة على روسيا، وتعد على غرارها حرباً أخرى على الصين، لن تكون سوى آخر الحروب الامبريالية التي ستجعل العالم يتخلص من هيمنتها، فقد ظهر لكل دول العالم أن الصين أحبطت هدفاً إستراتيجياً أميركياً معادياً في الشرق الأوسط حين جمعت بين الرياض وطهران ونقلت العلاقات بينهما إلى طريق الاتفاق على جوار سلمي بدأت نتائجه تعكس أجواء قابلة لتطبيع العلاقات العربية مع سورية، وشق طريق الاستقرار في منطقة الشرق الأوسط على حساب إسرائيل والولايات المتحدة.
على الساحة الروسية يرى خبراء عسكريون في أوروبا أن الحرب التقليدية التي تجري على الأراضي الأوكرانية بين الغرب وأميركا من جهة وروسيا وحلفائها من الجهة الأخرى، قد تفرض قريبا على القيادة الأوكرانية واحداً من ثلاثة خيارات: إما استمرار الحرب مع تزايد تدريجي للهزائم الأوكرانية في ميادينها العسكرية، وإما أن تؤدي هذه الحالة إلى تمرد عسكري داخلي بسبب هذه الهزائم والطريق المسدود فينتقل الوضع الميداني إلى هدنة ومفاوضات رغماً عن الولايات المتحدة التي تصر على استمرار الحرب، وإما اتساع رقعة الحرب لتشمل دولاً من حلف الأطلسي وانتقال الوضع الميداني إلى حافة الردع النووي المباشر، وعند هذه النقطة ستصبح المفاوضات ضرورة لا بد من اللجوء إليها لمصلحة الجميع، وبغض النظر عن نتائج الحرب الغربية – الأميركية على روسيا، تثبت الصين أنها قادرة على ردع القوة الأميركية على الساحة الآسيوية بتحركاتها وتحالفاتها في المنطقة نفسها وعلى مستوى عالمي يصل إلى درجة ردع استراليا التي تعول عليها الولايات المتحدة في أي عمل عدواني ضد الصين.
في ظل مثل هذه الاحتمالات المعقولة يتوقع بعض الخبراء في الشؤون الاستراتيجية في الولايات المتحدة بأن التوازن العالمي الجديد سيشق طريق بناء قواعده ضد الهيمنة الأميركية خلال سنوات قليلة ويستند هؤلاء إلى حقيقة أن أحداً لم يتوقع خلال الأسابيع الماضية أن تنجح الصين في مبادرتها بهذه السرعة بين الرياض وطهران وتحصد نتائجها الإيجابية على المنطقة بعد أن دأبت واشنطن وتل أبيب طوال عشرين عاما على تحريض الدول العربية لمعاداة إيران والعمل على التخلص من دورها في المنطقة.