قضايا وآراء

قالوا وقلنا

| منذر عيد

عاد الحديث عن اجتماع الرباعية الذي يضم نواب وزراء خارجية سورية وروسيا وإيران وتركيا، إلى الواجهة من جديد، بعد أن نال حيزاً واسعاً من الأخذ والرد قبل أسبوع، لكن بين حديث الأمس واليوم، ثمة تطورات شهدتها الأحداث على صعيد الخريطة السياسية السورية، وما كان يصح قبل أسبوع، ربما يختلف لاحقاً، لجهة كيفية انعقاد الاجتماع وجدول أعماله، والهدف اللاحق لما بعد اجتماع نواب الخارجية.

نائب وزير الخارجية الروسي ميخائيل بوغدانوف الذي أعاد من خلال تصريحه أن تنسيقاً روسياً يجري مع كل من سورية وإيران وتركيا على جدول زمني لإجراء المفاوضات الرباعية، بث الحياة في شريان عملية التطبيع بين دمشق وأنقرة، من دون تحديد الزمان بخلاف الإدارة التركية التي عملت كعادتها بالذهاب إلى الأمام باندفاعة أكثر من باقي الأطراف، حيث الوقت يداهم رئيس الإدارة التركية رجب طيب أردوغان قبيل الانتخابات الرئاسية المقررة في أيار المقبل، ليعلن من جديد وزير الخارجية التركي مولود تشاووش أوغلو أن المفاوضات الرباعية قد تجري خلال الأيام القريبة.

من حيث المبدأ فإن دمشق لا ترفض أي خطوة تقارب مع أنقرة، تعيد العلاقات بينهما إلى ما كانت عليه، لكن ليس من باب الاعتباط بالأمور، أو الاجتماع لمجرد الاجتماع والتقاط الصور، وبما يتيح للآخر الاستثمار بالجلوس على الطاولة السياسية مع الجانب السوري في قضايا داخلية، وخاصة أن أردوغان يسعى إلى إضافة المزيد من أوراق القوة إلى سلته الدعائية قبيل الانتخابات الرئاسية والبرلمانية، وهو يعي جيداً مدى فاعلية التطبيع مع سورية في الشارع التركي، لما سيفضي التقارب من دمشق إلى نتائج أخرى على مستوى عودة اللاجئين السوريين، ومسألة ما تسميه الإدارة التركية «أمنها القومي».

قبل زيارة الرئيس بشار الأسد إلى موسكو في الرابع عشر من الشهر الجاري، كان الحديث يركز على الاجتماع كهدف بحد ذاته من الأطراف الأخرى، وذلك من مبدأ مصلحة كل طرف ورؤيته لضرورة الانعقاد، إلا أن الرئيس الأسد، وفي مقابلاته مع وسائل إعلام روسية، رسم وبشكل واضح وصريح ملامح وضرورات ذاك الاجتماع بقوله في مقابلة مع قناة «روسيا اليوم» في رده على سؤال عن اجتماع «الرباعية»: نحن نصر إما على أن يكون هناك جدول أعمال واضح وإما أن تقوم سورية بالتأكيد على بند الانسحاب، فإن لم يكن هناك جدول أعمال فسيكون جدول الأعمال الوحيد بالنسبة للطرف السوري هو الانسحاب التركي من سورية.

وتابع: «إذا تحققت أو توافرت أو استوفيت الشروط، الشروط بالنسبة لنا هي الانسحاب، إذا استوفيت الشروط فلا يوجد موعد لهذا اللقاء، قد يكون اليوم أو غداً، يعني لا توجد مشكلة، التوقيت ليس مشكلة، لكن التوقيت لا يمكن أن يكون قبل تحقق هذه الشروط بالنسبة لنا».

كلام الرئيس الأسد، أوضح من دون أي لبس، الخطوط الحمر لسورية، تلك الخطوط التي حاولت الإدارة التركية تجاوزها أو تجاهلها، واللعب على وتر معاناة السوريين، وظنها لوهلة أن الحكومة السورية يمكن أن تذهب إلى حيث تشاء هي من باب أن دمشق بحاجة للانفتاح على العالم الخارجي ولو بصورة مخادعة، حتى ولو لم يكن لها في ذلك أي مصلحة، متجاهلة التطورات الأخيرة على صعيد التقارب العربي، وبدء موسم الحج السياسي نحو دمشق، وهو ما أفرزته بشكل جلي زيارة الرئيس الأسد الأخيرة إلى دولة الإمارات، وما خرج من أروقة السياسة الإماراتية بضرورة عودة العلاقات العربية مع سورية إلى سابق عهدها، وإنهاء مرحلة القطيعة، لما في ذلك للمصلحة العربية عامة.

من المؤكد أن حالة الحديث عن اجتماع الرباعية ما قبل زيارة الرئيس الأسد إلى موسكو، سوف تتكرر، وخصوصاً إذا ما سارت الإدارة التركية على النهج ذاته، وتعاطت مع حديث موسكو الجديد عن الاجتماع بذات العقلية والطريقة، وهي الحضور لأخذ الصور، والاجتماع لمجرد الاجتماع، من دون تقديم تعهدات صريحة وواضحة بانسحاب الاحتلال التركي من الأراضي السورية، أو أقله وضع جدول زمني لذلك، والتعهد بوقف دعم التنظيمات الإرهابية تحت أي مسمى كان.

إن دمشق خبيرة بالسياسة التركية، ومراوغة رئيس إدارتها، وقدرته على التكتيك للوصول إلى نتائج إستراتيجية تهمه فقط دون غيره، وهو الأمر الذي أكد عليه الرئيس الأسد في لقائه مع قناة «روسيا اليوم» بالقول: «لا أحد يستطيع أن يضمن أردوغان لعدة أيام، يبدل سياساته بشكل مستمر وتدور في حلقة مفرغة لذلك لا أعتقد أن أحداً في العالم يستطيع أن يأخذ ضمانات»، وبالتالي لابد وللحديث عن «الرباعية» اليوم أن يختلف، بعد قول دمشق كلمتها.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن