خلال زيارة الرئيس الصيني شي جين بينغ الأخيرة لموسكو، أظهر بوضوح تضامنه الكبير مع نظيره الروسي فلاديمير بوتين في مواجهة الغرب، قائلا إنه يرى «إمكانات غير محدودة» في التعاون الروسي- الصيني، كما تعهد الرئيسان أن يعملا معاً لتشكيل نظام عالمي جديد.
منذ سبعينيات القرن العشرين، ظلت سياسة الولايات المتحدة تعتمد أسلوب منع قيام تحالف قوتين كبيرتين، روسيا والصين، ضدها ؛ فإدارة الرئيس الأميركي الأسبق ريتشارد نيكسون ومستشاره هنري كيسنجر انتهجت دبلوماسية كرة الطاولة للانفتاح على صين ماو تسي تونغ لإبعادها عن روسيا.
هذه السياسة سهلت لأميركا الانفراد بالاتحاد السوفييتي ومحاولة تحجيمه وهزيمته في أفغانستان، وانحسار نفوذه وصولاً لانهياره، بعد خمسة عقود، غيرت الولايات المتحدة تلك السياسة، وصعدت التوتر على جبهتي الصين وروسيا معاً، لكنها وُوجهت بتحالف القوتين الكبيرتين، ويمكن قراءة قمة موسكو الأخيرة كتحالف صيني- روسي في مواجهة الولايات المتحدة.
القمة عُقدت والرئيسان يشعران بأن الغرب يحاول محاصرتهما وتقزيمهما كقوتين منافستين، وكان قرارهما أن الدفاع عن مصالحهما يتطلب دعم تحالفهما الاستراتيجي، حيث يرى الرئيس بوتين أن حلف الناتو يحاول تطويق بلاده عسكرياً، وتقزيم دور روسيا استراتيجياً ودولياً، واستند إلى هذا الأمر في تبريره العملية العسكرية في أوكرانيا.
بدوره الرئيس الصيني، سبق في خطابه أمام البرلمان الذي انتخبه رئيساً لولاية ثالثة، أن حذّر من أن «الدول الغربية، بقيادة الولايات المتحدة، تنفذ سياسة تهدف إلى احتوائنا وتطويقنا وخنقنا»، ودعا إلى تعزيز جيش بلاده ليكون «سوراً فولاذياً عظيماً يحمي السيادة الوطنية، والأمن، ومصالح التنمية»، والواضح أن الهدف الأساسي للصين هو ضمان ألا تخسر روسيا الحرب الأوكرانية، حتى لا تنفرد أميركا بعدها بالصين، الأمر الآخر أن الصين وسعت تجارتها مع روسيا، فهي تحصل على إمدادات الطاقة من روسيا عبر الحدود المشتركة مباشرة، وتزود موسكو بكثير من السلع، واعتماد نظام اليوان– الروبل بديلاً من الدولار الأميركي.
بكين ترغب في انتهاء الحرب الأوكرانية، وقدمت مبادرتها للسلام التي لاقت ترحيباً من روسيا، لكنها اصطدمت برفض غربي، يبدو أن الحرب ستستمر لوقت أطول، وأصبحت حرباً بالوكالة بين روسيا والغرب، وهدفها الأبعد إعادة رسم خريطة التوازنات الدولية.
الرئيس الصيني شي بزيارته موسكو وجه رسالة دعم لروسيا، هذا الدعم لم يصل حتى الآن إلى مرحلة تقديم مساعدات عسكرية، لأن بكين لا تريد أن تَدخل في حرب بالوكالة ضد الناتو، أو أن تضع نفسها في دائرة العقوبات الاقتصادية الغربية.
البيان الصادر عن بكين في ختام قمة موسكو أشار إلى اتفاق الرئيسين على أن علاقاتهما «تجاوزت النطاق الثنائي واكتسبت أهمية حاسمة للمشهد العالمي ومستقبل البشرية».
وقد لمح الرئيس الصيني، ضمناً، إلى هذه النقطة في تصريحه لدى مغادرته موسكو عندما قال لبوتين: «الآن هناك تغييرات لم تحدث منذ 100 عام، عندما نكون معاً، نقود هذه التغييرات» بدوره الرئيس بوتين قال: إنهما يعملان «على تشكيل نظام عالمي متعدد الأقطاب، أكثر عدلاً وديمقراطية، يجب أن يقوم على الدور المركزي للأمم المتحدة، والقانون الدولي».
بالمقابل فإنّ الحرب في أوكرانيا عززت بالفعل العلاقات الروسية مع عدد من الدول ولاسيما الصين والهند، وسرّعت من صعود نظام دولي جديد يبدو فيه الغرب معزولاً بشكل متزايد، وليس روسيا، كما أن توقيع الاتفاقية بين إيران والسعودية بوساطة الصين، يعتبر لكمة قوية للولايات المتحدة الأميركية، ويشير إلى أن عملية إعادة ترتيب جيوسياسية جذرية جارية مما يسرّع في أضعاف الهيمنة الأميركية على العالم، وأشار المحلل السياسي الأميركي هنري جاكسون إلى أنه ستظهر المتطلبات الأساسية لتعدد الأقطاب في الجيل القادم مقدراً ذلك بين 2010- 2022، واعتبر هذه المرحلة بمنزلة وقت ظهور قوى مماثلة في القوة والقدرات للولايات المتحدة.
إن المشهد يشير بأن لا أحد يعرف إلى أين سينتهي هذا الصراع الدائر لإعادة رسم خريطة التوازنات الدولية، لكنه يحمل كثيراً من الأخطار، لأنه يدور بين قوى نووية متضاربة المصالح، ضاقت بينها مساحات الحوار، واتسعت دائرة الخلافات.
الحقيقة أن هناك كثيرين حول العالم باتوا يرون أن عالماً متعدد الأقطاب والتوازنات قد يكون أفضل، لكن يبدو أن الرئيسين بوتين وشي حسما خيارهما؛ وباتت الصين وروسيا يتحدثان بشكل متزايد بصوت واحد عن حاجة العالم إلى نظام دولي جديد أكثر توازناً أي الانتقال من القطبية الأحادية إلى نظام عالمي جديد متعدد الأقطاب.