ثقافة وفن

الشاعر والزيارة وأبعادها!

| إسماعيل مروة

وسائل التواصل الاجتماعي فعلت ما لا يمكن تخيله، وقدّمت معلومات لا يقدر المرء على إنكارها، فقد أدت أدواراً سلبية كثيرة، لكنها غيّرت وجه العالم، وأطلعتنا على البلدان دون تجشم عناء زيارتها، وجعلتنا نعيش الحدث مباشرة، ووضعتنا أمام كوكبة من الرصد والأخبار لا يمكن لنا أن نخرج منها أبرياء، فحين يزور شاعر كبير مثل أدونيس تركيا ويكرّم فيها تسعى الأقلام إلى اختلاق ما يعزز موقفها إن كان مخالفاً أو موافقاً، وكلاهما يملك صحة، وحين يزور الشاعر نفسه باسمه الكبير وإرثه السعودية تسعفنا وسائل التواصل بطرفي نقيض من الآراء وكلاهما صحيح، فالذي يمثل الثقافة السعودية يبدأ الحديث عن الثقافة والانفتاح، وهو اعتراف ضمني بأن الأمر لم يكن كذلك من قبل، ويهمل اسم الشخص الضيف ليزيد من محاسن البلد المضياف، وفي هذا أيضاً إقرار من المتحدث بأن الضيف ليس ممن يتوقع أن يزور البلد.. أما محبو الشاعر أدونيس، فلم يتحملوا أكثر من غلوة واحدة وصار لسانهم يتحدث عن عظمة أدونيس وعن عقله المنفتح! وهذا إقرار بأن أدونيس ابن الرابعة والتسعين من العمر عرف العقل المنفتح اليوم، وبالمناسبة فأنا أعرف ومن مصادر موثوقة بأن أدونيس دعي إلى السعودية، فلا هم يرفضونه من أي ناحية، ولا هو يرفضهم ولا بناحية.. ومن هنا تفضح وسائل التواصل هؤلاء المتاجرين من كل جانب، والذين يميلون بألسنتهم لتسويغ ما يريده هذا الجانب أو ذاك.. المواقف الأيديولوجية الحادة سواء كانت من أدونيس أم من يقف مقابله هي مواقف غير مبدئية، بل يجب أن تكون غير مبدئية، ولكن شريطة أن يكون المقبول من أدونيس مقبولاً من غيره، فلا يجوز بحال من الأحوال أن أرى أن أدونيس منفتح وصاحب عقل كبير في أمر لو فعله أي شخص آخر غيره لوجد طوابير من النقاد والشاتمين والمخوّنين الذين سيصلون إلى عرضه وشرفه وكتابته..!

أنا لست مع الانغلاق في شيء، وإن أي فكر يعتمد القطيعة مع الآخر هو فكر أحادي، لست مع القطيعة، وخاصة أن تعامل الشاعر وزياراته لدول الخليج الأخرى كان في أحسن حالاته، أنا لا ألومه على الزيارة، بل ألوم لأن الزيارة حققت صدمة، وجسور التواصل بين البلدان العربية يجب ألا تنقطع.. أظن أن ما أثير حول الزيارة أكثر من أهمية الزيارة ومخرجاتها مهما بلغت، والزيارة ليست أكثر من أمر بروتوكولي ثقافي معرفي لتعزيز ما كان يتم في بلدان أخرى أو في لقاءات ومنتديات، فما من مثقف سعودي، بمعنى المثقف، لم يلتقِ بأدونيس في الخليج أو مصر أو لبنان أو سورية أو أوربة، وربما في الصين واليابان.

وكتب أدونيس موجودة في كل بيت مثقف، والقنوات الفضائية التي استضافت أدونيس في مرات كثيرة ممولة وتدار من المؤسسة الإعلامية السعودية. وما كان ذلك ليكون لولا الرضا التام، بل الحب لأدونيس وتجربته وما يمثله، وكذلك فإن هذه القامة الفكرية والشعرية الكبرى أدونيس، كان على معرفة تامة، وكان قابلاً للتعامل مع مؤسسات تحمل الطابع السعودي، فما من داع للحديث عن الفكر المنفتح لهذا الجانب أو ذاك، وليس الوقت مناسباً لاختراع بطولات تتحدث عن اختراقات كبرى!!

لتكن الزيارات، ولتكن اللقاءات، لكن أن نعدها من أدونيس الكبير انفتاحاً، وتصبح من غيره خروجاً عن القانون فهذا أمر فيه نظر!

ولكن لنتحدث عن المصالح واللقاءات والمهرجانات وما سيحدث

لا هذا له عقل منفتح، لأنه عندما يخلو بذاته ومن يلوذ به يعود إلى مجرّته..

ولا ذاك خرج من خطابه، وما يحدث هو قلادات توضع على الأعناق لعبور الضفة الأخرى..

عرفت أدونيس عن قرب، وحظيت بجلساته وحواره، وأعرف فيه هذا الطفل الجميل، الذي يقول عن نفسه في رثاء كمال خير بك «جئنا من جبل كريم لم يرافقنا فيه غير الفقر. لكن الفقر الذي يخطو كأنه العصف، يروض الزمن بيد، ويحمل الغضب العاشق باليد الثانية».

عرفته عن قرب، وما يزال أدونيس ذاك القادم من جبل كريم، تخلى عن مرافقه، ودار دورته مع الزمن ولست أدري من روّض من! أما الغضب فأمر آخر..

ربما لا يرضي كثيرين هذا الكلام، من شخص يرونه مروضاً، أقصد نفسي، وليس صاحب غضب، لكنني أزعم أن كل ما يجري يحاكي عنوان قصة لعبد الله عبد مأخوذة في فحواها من القرآن الكريم (السيران ولعبة أولاد يعقوب)..

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن